كرد سورية بين جاذبية الاستقلال وكانتونات الأمر الواقع… وخطر «داعش»

38
SYRIA-CONFLICT-KURDS
مقاتل كردي في سري كانييه مقابل الحدود مع تركيا

يتأثر الكرد السوريون بشدة بما يحدث في الجوار التركي والعراقي، بقدر تأثرهم بما يحدث في سورية، وأحياناً أكثر. وإذا كان تبعثرهم الديموغرافي – الجغرافي داخل الحدود السورية لا يشجع لديهم الميول الاستقلالية، فهذه تتغذى بقوة من الجوار الكردي في العراق وتركيا وما يطرأ فيهما من أحداث. هكذا كان لقيام الكيان الفيدرالي الكردستاني في شمال العراق مفعول المحرك الأول لانتفاضة 2004 في القامشلي وسائر مناطق وجود الكرد، بما فيها دمشق وحلب. ويشكل المقاتلون الكرد السوريون نحو ثلث العدد الإجمالي من قوات حزب العمال الكردستاني في تركيا، في حين يحتل فرعه السوري المسمّى حزب الاتحاد الديموقراطي PYD، موقع أقوى الأحزاب الكردية في سورية.

وعلى غرار الانفصال النسبي لإقليم كردستان الذي وفر الغزو الأميركي للعراق شروط تحققه، وفرت طريقة نظام دمشق في مواجهة الثورة الشعبية ضده شروط الانفصال النسبي لكرد سورية في مناطقهم. غير أن تنافس الزعامتين الكرديتين، بارزاني وأوجلان، انعكس سلباً على وضع كرد سورية، ومن المحتمل أن يؤثر سلباً في مصيرهم في المستقبل القريب. ففي الوقت الذي يندفع فيه بارزاني نحو الانفصال التام لإقليمه في دولة مستقلة، مستفيداً من السياسة النابذة لنظام نوري المالكي ومن إقامة أبي بكر البغدادي دولته الإسلامية من الموصل إلى أطراف حلب، تختنق الكانتونات الكردية التي يحكمها الفرع السوري للعمال الكردستاني بين فكّي كماشة «داعش» وتركيا. تركيا التي لا تمانع بقيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق، لن تسمح بأمر مماثل في سورية بقيادة أنصار أوجلان السجين في اسطنبول، وتبدو الكانتونات الكردية في سورية لقمة سائغة للخليفة البغدادي.

الواقع أن كرد سورية لا يملكون بذاتهم عوامل إقامة دولة مستقلة، وستكون خياراتهم محصورة بين انضمام مناطقهم إلى دولة كردية في العراق أو في تركيا. دونهم والخيار الأول أن حاكم مناطقهم هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي لن يسلّمها لدولة بارزاني المتوقع قيامها في شمال العراق، في حين تخلى الحزب الأم في تركيا عن المطامح الاستقلالية وانخرط في مسار حل سلمي مع الحكومة التركية. ويؤكد قادة الاتحاد الديموقراطي كل يوم أنهم لا يسعون إلى الانفصال عن سورية على رغم خصومتهم مع المعارضة السورية التي تعمل على الإطاحة بنظام بشار الأسد.

غير أن العلاقة بين حزب الاتحاد الديموقراطي وسكان كانتوناته ليست مما يشرح النفس ويثير الشهية الكردية على أي استقلال. خصصت منظمة هيومن رايتس ووتش، قبل أسابيع، تقريراً خاصاً عن انتهاكات هذا الحزب ومسلّحيه بحق السكان. تناول التقرير الذي حمل عنوان «تحت الحكم الكردي» مختلف وجوه الانتهاكات التي يمارسها الحزب و «قوات الحماية الشعبية» و «الأساييش» التابعين له، منها عمليات اعتقال تعسفية، وإساءات أثناء الاحتجاز، وانتهاكات لسلامة الإجراءات القانونية، ووقائع اختفاء وقتل مقيدة ضد مجهول، واستخدام الأطفال في صفوف قوات الحزب الأمنية.

هذا ولا يتطرق التقرير إلى القيود المفروضة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، ولا إلى «انتهاكات مزعومة» بحق تجمعات سكانية محلية غير كردية، على حد تعبير التقرير.

أضف إلى ذلك اضطهاد سلطات «الاتحاد الديموقراطي» للأحزاب السياسية الكردية والتضييق على نشاطاتها. شهيرة تلك الحادثة حين منعت القوات التابعة للحزب المذكور ممثلي عدد من الأحزاب الكردية من العودة إلى وطنهم، بعد مشاركتهم في مؤتمر سياسي في أربيل لتوحيد أحزابهم في إطار سياسي جديد.

صحيح أن حكومة إقليم كردستان ليست مثالية في ميادين الحريات والشفافية، لكن البون شاسع بين حكومة منتخبة وزعامة كاريزمية، وإن شابتها شبهات الفساد والتضييق على حرية التعبير، وبين سلطة أمر واقع تحكم السكان بوسائل ديكتاتورية فظة في الكانتونات الكردية الثلاث في سورية. من جهة أخرى، ثمة شكاوى متصاعدة من المعاملة التي يلقاها الكرد السوريون في كردستان العراق كما لو كانوا «أبناء الجارية» على حد وصف كثيرين ممن دفعتهم الظروف إلى الانتقال للعيش هناك.

غير أن كل تلك العوامل السلبية تفقد قيمتها أمام الخطر الذي يواجهه الكرد في مناطقهم من خارجها، وبخاصة من تنظيم «داعش» الذي يحاصر اليوم «كانتون كوباني» (بلدة عين العرب شمال شرقي حلب). وسبقت هذه الحملة، في أزمنة متفرقة خلال العامين الماضيين، حملات أخرى شاركت فيها، إضافة إلى «داعش»، جبهة النصرة وفصائل مسلحة من الجيش الحر في رأس العين وقرى تل أبيض وبعض قرى عفرين وأعزاز والباب، كما تعرض الكرد في مدينة الرقة إلى التنكيل على يد تنظيم «الدولة».

حين يتعلق الأمر بخطر خارجي، يلتف الكرد حول قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الذي يحميهم منه. الواقع أن هذه القوات فرضت نفسها كسلطة أمر واقع على السكان بذريعة حمايتهم، في الوقت الذي لم يكن هناك أي خطر خارجي. أما حين ظهر هذا الخطر فعلاً، لم يبق أمام تلك السلطة العسكرية إلا الدفاع عن نفسها والأرض التي تسيطر عليها، أكثر من دفاعها المزعوم عن السكان الذي فشلت فيه فشلاً كبيراً في ريف تل أبيض ومناطق أخرى. أبعد من هذا الالتفاف الشعبي حول الحزب، يأتي متطوعون كرد من الجانب الآخر من الحدود مع تركيا من بيئة حزب العمال الكردستاني فينضمون الى قوات الحماية الشعبية دفاعاً عن إخوتهم في سورية.

الخلاصة أن كرد سورية يملكون خيارات محدودة تحددها قوى أخرى بعيداً من إرادتهم، في وقت انهارت فيه الحدود بين دول المشرق، وتدور صراعات دموية سترتسم من خلالها مصائر شعوب وأمم ربما لمئة عام مقبلة.

* كاتب كردي سوري – عن الحياة

 

التعليقات مغلقة.