تقول الأغنية (1-2)

182
%d8%b7%d9%87-%d8%ae%d9%84%d9%8a%d9%84-300x164
طه خليل

طه خليل

لست متأكداً فيما إذا كان الشاعر الكردي الشعبي حين كتب قصائده المغنـّاة كان يفكر من دوافع قومية أو عرقية، لكنني واثق بأن الحدث الذي كان يتناوله الشاعر الغنائي حينها كان يغرق فيه( أي في الحدث ) كمأساة وملهاة تمرّان بشعب طيب بسيط، يجرب الآخرون فيه أحقادهم وغلّهم ولا انسانيتهم الفاحشة.

كتب هؤلاء الشعراء أو المغنون أنفسهم  ( فليس هناك توثيق دقيق عمن يقف وراء كلمات الأغاني الكردية القديمة، هل كتبها شاعر وأداها مغنّ، أم أن المغني والمغنية كتب الأغنية بنفسه.؟) وعلى أية حال سأحاول تقديم صورة صغيرة عن المرأة في تلك الأغاني.

إذا كانت الشعوب تفتخر بتراثها الكتابي ومخطوطاتها التاريخية، فان الشعب الكردي يأتي في أوائل الشعوب التي قدمت تراثها وإرثها الحضاري من خلال اللغة الشفاهية، سواء كان من خلال أمثاله أو من خلال منادماته أو مقاماته أو قصصه التي نسجها خيالا وتناقلها الأبناء عن الآباء شفاها، بعد إن ضاقت بهم سبل الكتابة والأرشفة، ورصف المخطوطات لأسباب يعرفها كل من يعرف الظروف السياسية والجغرافية التي عاشها الكرد، في تغريبتهم التي لا تزال مستمرة منذ اندثار كيانهم السياسي الأقدم.. ميديا كما يقول رواة التاريخ ومحللو السلالات البشرية.

والكرد وبعد إن بدأت تغريبتهم، انشغلوا بالغناء، واتخذوا الغناء وسيلة للبقاء، والاستمرار لم تكن الاغنية الكردية على الارجح نمطا من فن يريده الكرد مُضافاً لتراثهم، بل اتخذوه على الأغلب كوسيلة لنقل الحدث، الحدث الكردي تحديداً، وتحايلوا عليه فمزجوا السياسة بالحب، وشحّ الامطار والجفاف بالأوضاع الاقتصادية، فرمزوا إليه وأشاروا له تلميحا لا توضيحا، ولحنا لا خطابة ولا استعراضا لمهارات لغوية بائسة.

تبدو المرأة في هذا التراث شامخة، لها نصيب السباع، المرأة كأم، وكحبيبة، وكبشر تشارك الآخرين ما يقلقهم وما يفرحهم، فلم تظهر المرأة الكردية في التراث الغنائي الكردي مجرد جسد يشتهيه حبيب وله أو عشيق خائب، تبدو المرأة الكردية في الأغنية ذات شخصية وثقل اجتماعي وسياسي حتى في تناول الجانب العاطفي في حياتها، ولطالما قيلت الأغاني وكتبت على لسانها، أي لم تكن مجرد صورة تقف أمام عين الشاعر ليصف شعرها أو صدرها أو عينيها، بل كانت هي من تقدم نفسها، وتعرّف الآخرين بها كما تشاء، تتحدث عن قلقها الوجودي مرة وتارة عن أخيها الجريح أو حبيبها الغائب، وعلى الأغلب تتحدث الأغنية الكردية عن حبيب المرأة وقد غدر به الأعداء لا كحبيب هجر حبيبته أو فرقتهم الظعائن ليبكوا على الأطلال على عادة العشاق، بل نجد الرجل أو الحبيب لدى المرأة الكردية في الأغنية جريحا.. وعلى الأغلب بطلقات ما ( من الأتراك أو من الروم .. الخ )  ” مثل بافي فخرو.. بافي سيري.. فليتي قتو الخ..”

أما الحالة النفسية للمرأة الكردية فكانت حالة غضب وتحدّ ( من يخرب بيني وبين محمدو..الخ ) أو ندم أو قلق تبرع المرأة في توصيف حالة التشتت والضياع التي تعيشه، فتقدم صورة شعرية وتعبيرية تعجز عنها معظم أشعار الحداثة خلال أكثر من قرن من الزمن، تقول الأغنية الكردية على لسان المرأة تلك :”لست هنا… لست هناك.. أنا غيمة سوداء صغيرة.. على بحر.”

في إطار التحدي وكسر للطوق المفروض على المرأة كأنثى ارتبطت بمفاهيم اسلامية وعربية ( كجلب العار.. الشرف الخ ) تقول الأغنية الشعبية في مناطق “هورامان” في شرق كردستان:

” تعال اقترب مني…قبل عيني السوداوين.. وليقل الناس بعد ذلك : لقد تم تقبيل تلك الفتاة.!”

تلك وحشة شعب برع في تقديم الطمأنينة لمن حوله، فحرموها منه.

يتبع……

نشرت هذه المادة في العدد 54 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/11/2016

15135573_1465659946782180_2056921549_n

التعليقات مغلقة.