عن أي وحدة تتحدثون

33
14628271_1428742817140560_803518441_n
د. عماد عبد العزيز خلف

د. عماد عبد العزيز خلف

“هل يستطيع سكرتير الحزب ونائبه ومن لفّ لفّه التضحية بالامتيازات ولو لمرة واحدة لصالح الشعب، وهل يستطيع باسم الوحدة والتضامن الكردي المزعوم التخلي عن الدولارات المقدمة من أحد جسمي الحركة الكردية التقليدية، وهل يستطيعون التخلي عن المساعدات والتأشيرات و”الفيَز” الخارجية ومنح الدراسة و”الجيب الـ .BMW”

في خضم حالة الفوضى السياسية التي عصفت بالحركة الكردية في جزأنا الكردستاني والتكاثر(الأرنبي) للأحزاب والتيارات والحركات الكردية المتعددة، وتحديث إصدارات تلك الأطر الحزبية بالانشقاقات اللوغارتميّة غير القابلة للعودة، يستنجد الشعب الكردي المسكين ببدعة الوحدة المصطنعة،  فنادى بها الفقير والغني وتغنى بها الجاهل والمثقف،  ووقع الجميع فريسة ما روجت له تلك التنظيمات التي لا ترغب أساسا تلك الوحدة المزعومة، فأصبحت الوحدة كلمة رثاء في بياناتهم بعد أي تفجير إرهابي، وأصبحت كلمة ثناء في تقاريرهم بعد أي تكريم أو تأبين لأحد الشعراء والكتاب، وأصبحت البلسم الشافي لارتفاع أسعار الخضار والسكر، والحلّ الامثل لمعضلة الحصار الدوائي وحليب الاطفال والاسمنت والخراف والعجول، والسؤال المحيّر، من أين نبدأ اللبنة الأولى في بناء سور الوحدة والاتحاد العظيم،  هل نبدأها بالأحزاب؟

حتى متبني ذلك الاسم في نظامهم الداخلي قد أخلفوا في ميثاقه بانشقاقاتهم المتفطرة المتتالية، ويحتاجون على الأقل ثورة “لمّ شمل” لكوادرها بعد تعاظم فوهة الشرخ بينهم، أم هل نبدأها بالأطر الجامعة للمدوّنات الأدبية والشعرية؟ فحتى ما يسمّى اتحاد الكتاب والشعراء أصبح بفرعين متناحرين وقام روادها بانقلاب انشقاقي تاريخي في ليلة مظلمة بعثرت أقلامهم الملونة واستبدلت حريّات التعبير والأحرف الشعرية الرهيفة بحلبات ملاكمة أسعفت كل جهة في مشافي مجلسين متناظرين، من أين نبدأ اتحاد القوة السياسية بعد التحور النوعي و”الغينيسي” للانشقاقات الكردية من الحالة الأفقية التقليدية إلى الحالة العمودية الحديثة، فقد كان ستندر الحركة الكردية متمثلة بجسمين وحيدين من خلال جسمين هزيلين،  كان من السهل اختيار أفراد الشعب ما بينهما، ومن السهولة الأكبر التنقل بينهما أي وقت تشاء، ومن السلاسة الأكبر الاقتناع بمشاريعهما مهما كانت غامضة، إلا أن بعدّ الشقّ الشاقولي ومحاولة البعض تركيب عضو آخر رديف لهذين الجسمين تحمّل الصفات الوراثية لكلاهما ما كان إيجابيا منها وما كان سلبيا، ومن خلال تحوّل الرقم العمودي اثنان إلى ثلاثة أصبحت القناعة بالحركة الكردية ككتلة إدارية لمصير الشعب تتّسم بعدم الموثوقية بشكل أكثر، وذهاب البعض الآخر إلى نسف تلك الخطوط العمودية كلها وخلق حالة فريدة من نوعها بعيدة عن الخطوط الثالثة والرابعة والخامسة،  تزيد من تشقّق الصدع في الحركة الكردية وإعطاء دروس للأجيال الفتية الرضيعة لثدي السياسة الكردية بسوريا عن إمكانية اتخاذ ذلك القرار الناسف لمفهوم الوحدة لمصالح حزبية أو إقليمية أو شخصية والله أعلم،  فعن أي وحدة تتحدثون وعن أي تجارب قابلة للإصلاح والإعادة لمدة أسبوع واحد للخلف فقط، فطريق الانشقاقات والتفرقة السياسية  الكردية لا تعرف الخلف،  له خيار الإنهاء وولادة اسم جديد لانشقاقه ولا يملك خيار العودة والاتحاد من جديد مع منشقّه , ثم ماهي درجة الاستفادة من الوحدة الميمونة؟ هل ستنجلي تلك الحملات العدائية الحزبية الايدولوجية لكل منها على الآخر؟ وهل سوف يتم إماهة التسميات الحزبية على أفراد الشعب ولا يتمّ التمييز بين ذاك وذاك إلا باسمه الشخصي؟ وهل يستطيع سكرتير الحزب ونائبه ومن لفّ لفّه التضحية بالامتيازات ولو لمرة واحدة لصالح الشعب، وهل يستطيع باسم الوحدة والتضامن الكردي المزعوم التخلي عن الدولارات المقدمة من أحد جسمي الحركة الكردية التقليدية، وهل يستطيعون التخلي عن المساعدات والتأشيرات و”الفيز” الخارجية ومنح الدراسة و”الجيب الـ “BMW المازوت ورخص جرّات الغاز والخبز لأجل وحدتكم، وفي النهاية وهو الأهم, هل سوف يقبل داعميهم بتلك الوحدة التي تعارض جميع مخططاتهم وخرائطهم الجديدة، وهل سيقبلون باحتمالات التغير في السياسات التي فصلت لهم واحتمالية الانقلاب عليها؟ فعن أي وحدة تتحدثون وقد تناثرت فيروساته مجتمعياً بين الأصدقاء والأقارب،  وانتشر الوباء الذي لا لقاح وعلاج له،  حيث لا يخلو منزل من عدة توجهات وتبعيات سياسية مختلفة، ولا يخلو شارع من جيران ذو صبغة سياسية معينة، ولا تخلو علاقة زوجية آيلة الى الفشل من خلافات ايدولوجية مستمرة،  فزرعت في قلوب الناس الريبة والحذر من أحاديث السياسة والساسة،  وأصبح جلّ وسرّ ما يتكلم عنه الناس (الوحدة والاخوة والمحبة والسلام) مقتنعين تماما باستحالة تحقيق هذا الهدف السامي الذي يتماشى مع حلم الدولة المستقلة والتي احتمالية تحقيقها أكثر بكثير من تحقيق الوحدة بين حزبين سياسيين، كانا حزب واحد بسكرتير وشعار واحد فرّقتهم الشخصنة والمصالح والجهل القومي والبعد السياسي القريب الذي لا يتجاوز عتبة منزل كل من المنشقين، فعن أي وحدة تتحدثون وتدعون وتتمنون وتنادون وتحلمون وتوهمون.

نُشرت هذه المقالة في العدد (52) من صحيفة “”Buyerpress

2016/10/15

14686579_1428745237140318_625244481_n

التعليقات مغلقة.