ثم أبكي يا قامشلى – طه خليل

135

 

11165113_541958725977071_7059124043412540130_n1112

 

منذ أكثر من ثلاثين سنة.. وابان نشر قصيدتي ” ثم أبكي يا قامشلى ” كان الأصدقاء والقراء يحدثونني عنها، وبعد نشرها في ديواني الأول، تم اختيارها كإحدى قصائد البوح والألم المرتبط بالمكان في إذاعة مونتي كارلو، يومها كنت أستغرب كثيرا ولا أفهم هذا الاهتمام بها، ولا أعي قيمتها، اليوم وبعد أن بكينا جميعا على قامشلى، ونشر بعض الأصدقاء مقاطع منها عدت إليها.. وهي في وحشة مكتبتي.. وإذ قرأتها من جديد مررتُ ببعض من وحشة الروح، وبكيت من جديد.. بكيت لقامشلى., وعليها.

 

 

ثم أبكي يا قامشلى

                                                                                                   طه خليل

 

حفنة من آهة القلب.. زرعك ينمو في وأهلوك.

أذكر وجها عاليا .. مبهما

حيث صباحات القطن.. حرارة القلوب الاسيرة

عاملات الحقول وشوق الفؤوس

صبايا المدارس.. والعيون السود

شحاذو الشمس والغبار فوق جسر “جغجغ”

هي ذي الأيادي الممدودة

أنزُ غربة تعصر القلب.. وأرصفة متسخة

ألوي عنقي صوب مداك

أختلس ضحك الحسناوات في باب توما

أخزن رائحة الجبل في حي الأكراد

أدفن رأسي بين الصور والقصائد

والأصدقاء الفارين.. الهاربين من الحروب والحرائق

أدفن رأسي.. أعيد وجه الأحبة..

ثم أبكي يا قامشلى.

*            *                   *

آه منك… بيني وبينك أشجار وألف شهر من الصوم

خوف .. ليل.. وطن وحريق

بعيدا أنتشل صوتك الكردي الغامض

بعيدا أخطط لعملية عشق.. وأطلق سراح العصافير.

أمسك بغيمة، أهمس في أذنها: ليكن هذا المطر لنا .

آه منك.. وجهك في وجهي صيحة

هذا شحوبك يتغلغل في عظام ذاكرتي.

لهذا حين أشتاق يشدني جوعي نحوك…

ثم أبكي يا قامشلى.

*        *                       *

 

 

عبثا أرسم على وجهك ابتسامة عروس، فتغرقين بالدموع

عبثا أذبح قلبي قربانا

فتقدمين لي قلبا من كل حائط

من كل بيت

وحديقة .. مليئة بأشجار الضحك

أمد طاولة من الكلمات.. أفتتح الشعر باسمك.

تحتلين جسدي.. شعرة شعرة..

فاقضم جزءا من قلبي.. ويقضم حبك ما تبقى.

ثم … ثم أبكي يا قامشلى.

*       *          *

وحين أغرق في ليل دمشق..

تتسللين .. لا أدري من أين.

ونبدأ نقرأ – وأنت في حضني – سوية:

-عن المذابح في زيوى

– عن عشاق الجنوب..

– عن معادلات الحياة في ديار بكر..

– وعن موسيقى الانتصار.

أنت تنهضين عاليا..

وانا .. أنا أبكي يا قامشلى.

*            *                   *

صباحا يرمقني المارة والواقفون على الظلال .

هم يتأبطون النساء.. وأنا أتأبط رائحتك وحزني.

أبراجهم تقول لهم: المزيد من الضحك والتخمة..

وبرجي يقول: ثمة رسالة دائمة..

فيها مدينة..

بخار من لهاث وغيوم.

احذر من طائرة تأتيك.. احذر.

ثم أضمك إلى خوفي.. وأضحك..

و أضحك يا قامشلى.

دمشق 1982

 

نشرت القصيدة في العدد 48 من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/8/2016

 

التعليقات مغلقة.