عن تأثير رسالة الإعلام كردياً وبقاء المعنى في قلب الصحفي

63
جانو شاكر
جـانـو شـاكـر

” هذه المشكلة تحديداً تستوجب إيجاد اتفاق على استخدام “قاموس” مصطلحات إعلامية “موحد” يساهم في إيجاد أرضية نحو خلق لغة إعلامية كردية واحدة، وربما من الأفضل أن يتم ذلك عبر عقد مؤتمر إعلامي لجميع وسائل الإعلام في غرب كردستان، طالما كانت الأفق مسدودة أمام تشكيل مجمع لغة كردية، الذي يرتبط بدوره بعقد المؤتمر القومي الكردستاني، وذلك لكي تتم فيه مناقشات مثل هذه القضايا والمشكلات التي تواجه الإعلام الكردي و تقف أمام وصول رسالته.”

 

تترك حقيقة أن الإعلام في أيّ مجتمع كان يستهدف المتلقي المتوسط الثقافة، أثراً حاسماً في استخدامه لغة خاصة تتوسط لغة النخبة و لغة الشارع البسيطة العامية. هذه اللغة الإعلامية تمنحه القدرة على إيصال الرسالة / المعلومة بأقصى قدر من الوضوح والسهولة، وبالتالي يكتسب الفاعلية والمقدرة على التأثير. فوسائل الإعلام تتصل لكي تؤثر، ودون ذلك لابدّ لها أن تراجع أدائها أو أن تبحث عن الخلل في رسالتها، لأن انعدام مقدرتها على الـتأثير يلغي مبرر وجودها، بحسب ما تؤكده المراجع الأكاديمية.

بإسقاط ما تقدم على الإعلام المعتمد على اللغة الكردية في إيصال رسالته، تكشف تجربة السنوات الخمس الأخيرة، أن الإعلام الكردي كما كان ديدنه منذ بدايات نشأته، لا يزال يعاني من وجود فجوة بين الجمهور المتلقي والوسيلة الإعلامية، فالرسالة لا تصل إلى الجمهور المستهدف بشكلها ومضمونها المناسب.

وفي حين يمكن إرجاع السبب الرئيسي لهذا الخلل في العملية الاتصالية، والتي تسري على الإعلام الكردي بشقـّيه الحزبي والمستقل، منذ نشأته وحتى ما قبل الـعام 2011، هو عدم وجود ظروف طبيعية لكي تجري فيها العملية الاتصالية. فالظروف الأمنية الصعبة وحالة المنع والسرية المفروضة على اللغة والثقافة الكردية من قبل السلطات، كانت تحيل العمل في الصحافة الكردية طوال تلك الفترة، إلى عمل يحمل طابعاً نضالياً، أكثر من كونه عملاً ذي مهمة اتصالية غايته إيصال رسالة هادفة للمتلقي.

لكن يمكن القول أنه وحتى  في السنوات الخمس الأخيرة، التي شهدت فيها (روجآفاي كردستان) ولادة وانطلاقة جديدة للإعلام الكردي، لا تزال تلك الفجوة الاتصالية، باقية على حالها حتى مع تغيير بعض المعطيات وتوافر هامش حرية أفضل لا يُقارن. ومن واقع التجربة الشخصية والعمل في الإعلام الكردي المرئي، يمكنني ذكر مواقف عدة، علمت فيها من جمهور متابع للنشرات الإخبارية الكردية، أنهم يعانون صعوبة في فهم الأخبار والتقارير الكردية، رغم إقرارهم بوجود رغبة مسبقة وموقف إيجابي في حضور مثل هذه النشرات الإخبارية التي تعرض مشكلاتهم، ولم تكن موجودة من قبل.

واللافت أن مشكلة عدم وصول الرسالة ( المعلومة أو الفكرة) إلى المتلقي، تتضح أكثر في حالة التقارير والأخبار ذات الطابع الثقافي، لكونها تحتاج مستوىً أكثر تقدماً من حيث اللغة المستخدمة أو المصطلحات التخصصية، فيبدو معدّ التقرير حينها وكأنه يحادث نفسه، أو وكأن المعنى يصبح مضمراً في قلب الصحفي.

فإذا ما كانت وسائل الإعلام المرئية الأكثر حضوراً وتأثيراً (خاصة خلال الأزمات بحسب الدراسات الإعلامية)، تعاني من خلل أو ضعف في وصول الرسالة الإعلامية للمتلقي، فإن وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية تكاد تكون معدومة الوصول والتأثير، ولكأن وجود الأقسام الكردية في هذه الصحف والمواقع، لا يخرج عن إطار الطابع الرمزي والواجب القومي لا أكثر. بينما يتم الاعتماد أكثر على اللغة العربية – التي تتوافر غالباً بشكل مرافق للغة الكردية في هذه الوسائل – في إيصال أي رسائل أو مضامين اتصالية إلى المتلقي.

وتجدر هنا الإشارة إلى أن الإذاعات المحلية وبالرغم من كونها تشهد حضوراً وتفاعلاً أفضل نسبياً من غيرها من وسائل الإعلام، لكن الملاحظ أن جمهورها يبقى محدوداً إذا ما تمت مقارنته مع نسبة جمهور الإعلام المرئي، إضافة إلى أن لغتها الإعلامية غالباً ما تنحدر إلى سوية اللغة السوقية في الشارع، أي أنها لا ترتقي لتكون لغة إعلامية نموذجية.

وإجمالاً إذا كان من الصعب الجزم بانعدام تأثير رسالة الإعلام الكردي على جمهوره، بحكم عدم وجود إمكانات وخبرات لقياس التأثير من خلال دراسة رجع الصدى من المتلقي، إلا أنه يمكن التأكيد على أن العملية الاتصالية التي تقوم بها وسائل الإعلام الكردية تشوبها الكثير من النواقص والعيوب في عناصرها المختلفة.

وإذا ما عرفنا أن أبسط النماذج الاتصالية التي توضح آلية عمل الإعلام، تقوم على أن المرسل “الصحفي” يقوم بإرسال رسالة “تقرير” عبر وسيلة إعلامية “صحيفة” إلى متلقي “جمهور”, من ثم يتلقى المرسل” القائم بالاتصال” رجع الصدى المعكوس من  المتلقي “الجمهور” ، فتكتمل  دائرة العملية الاتصالية ذهاباً وإياباً بين الطرفين، ما يتيح لوسائل الإعلام معرفة مستوى وصول رسالتها ومدى تأثيرها.

وبأخذ النموذج أعلاه بعين الاعتبار، يمكننا أن نحدد أكثر أين تكمن عيوب ونواقص العملية الاتصالية في إعلامنا الكردي. وفي البداية نجد أن المرسل – وهو الصحفي أو المراسل – يعاني من ضعف في مستوى لغته الكردية إضافة إلى ضعف من حيث الوعي بأدوار الإعلام ووظائفه بل وحتى في الجوانب المهنية في الإعلام، بالتالي تكون لغة الرسالة الإعلامية التي يقدمها، ضعيفة في لغتها الكردية وفي مضامينها الاتصالية.

الأمر الآخر الجليّ أن الجمهور أيضا يعاني ضعفاً في إلمامه بلغته الكردية، التي بدأت تنتشر أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة.

لكن من الواضح أن الوقوف على هاتين المشكلتين ربما يستدعي أولاً أن تتدارك وسائل الإعلام الكردية هذا الخلل فتعمل على رفع سوية اللغة الكردية لدى كوادرها، بالتوافق مع إخضاعهم لدورات في التأهيل المهني الإعلامي، بحيث تأتي في مقدمتها الدورات المختصة بدراسة الأنواع الصحفية المختلفة. وعلى الجانب الآخر تبقى مشكلة عدم انتشار اللغة الكردية بين الجمهور المتلقي مشكلة سيتكفل الزمن بحلها لاحقاً كما يبدو، هذا إذ لم تساهم مؤسسات اللغة الكردية التابعة للأطراف السياسية الكردية – وما أكثرها- على استغلال هامش الحرية هذا لتحقيق منجز في هذا الجانب لطالما كانت تحلم به.

لكن المشكلة الأكثر حساسية والمرشحة أن تتحول إلى معضلة مستقبلية، هي عدم وجود لغة إعلامية مشتركة بين وسائل الإعلام. فلا يخفى حالياً أن كل وسيلة إعلامية تمتلك قاموس مصطلحات إعلامية خاصة بها، وأوضح مثال على ذلك أن نشرات إخبارية على بعض الفضائيات الكردية تستخدم مصطلحات لوسائل الإعلام في شمال كردستان، بينما في الجانب الآخر نجد نشرات فضائية تستخدم مصطلحات إعلامية لوسائل الإعلام في جنوب كردستان، إضافة إلى وجود نشرات تستخدم مصطلحات خاصة بها؛ كما و يمكن لأي متابع أن يلاحظ وجود خلاف بين وسائل الإعلام الكردية على مستوى استخدام كلمة المعارضة مثلاً التي ترد بثلاث مفردات (Opozîsiyon، Rikberî ، Mûxalefet  ) أو كلمة مجلس ( Meclis، Encûmen) والأمر ذاته ينطبق على مستوى استعمال التسمية الرسمية لبعض القوى  كتسمية الائتلاف السوري المعارض أو هيئة التنسيق المعارضة.

هذه المشكلة تحديداً تستوجب إيجاد اتفاق على استخدام “قاموس” مصطلحات إعلامية “موحد” يساهم في إيجاد أرضية نحو خلق لغة إعلامية كردية واحدة، وربما من الأفضل أن يتم ذلك عبر عقد مؤتمر إعلامي لجميع وسائل الإعلام في غرب كردستان، طالما كانت الأفق مسدودة أمام تشكيل مجمع لغة كردية، الذي يرتبط بدوره بعقد المؤتمر القومي الكردستاني، وذلك لكي تتم فيه مناقشات مثل هذه القضايا والمشكلات التي تواجه الإعلام الكردي و تقف أمام وصول رسالته.

تالياً لابد من الاعتراف، أنه من المؤسف أن أطرح مسألة كهذه بغير اللغة الكردية، ذلك أنني اعترف بعدم قدرتي على إيصال هذه الفكرة بوضوح عبر لغتي الأم، التي أعمل على تطويرها، وثانياً لأنني أعلم أن طرحها عبر اللغة الكردية سيحد من قدرتها على الوصول إلى الجمهور الذي استهدفه، ذلك أنه يعاني أيضاً ضعفاً في سوية لغته الأم، كما الرغبة في القراءة بها.

نشر هذا المقال في العدد (47) من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/7/2016

11165113_541958725977071_7059124043412540130_n116

التعليقات مغلقة.