الكرد والعلاقة مع الغرب.. آفاق العمل المشترك!

35
نواف خليل
نواف خليل

” لقد تمكن الجانب الكردي من قراءة عقيدة الرئيس الأمريكي الذي جاء بعد حروب منهكة خاضتها أمريكا في أفغانستان والعراق، وهو ما جعل الجانب الأمريكي يرفض كل المحاولات التركية لقطع العلاقات مع (وحدات حماية الشعب) أو وسم حزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهاب، بل على العكس من ذلك، فقد شهدت غرب كردستان زيارتين لمبعوث الرئيس الأمريكي (ريت مكغورك)، حيث اجتمع في مبنى مجلس وزراء مقاطعة كوباني، ومن ثم زار الجنرال (جوزيف فوتيل) قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط روجآفا، لترسيخ العلاقة المعلنة بين الجانبين الكردي، ولاحقا السوري متمثلا بـ(قوات سوريا الديمقراطية) بعد فشل الرهانات الأمريكية على العديد من الجماعات المسلحة السورية المعارضة.

أعتقد ان السؤال الذي يطرح نفسه في الآونة الأخيرة، مع دخول الكرد في غرب كردستان في علاقة تحالف عسكري معلن مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود تحالفا دوليا ضد الإرهاب الداعشي هو: ما ماهية هذه العلاقة مع الأمريكيين، والى أين يمكن أن تنتهي؟. ربما نجد الجواب فيما كتبه وزير الخارجية الأسبق ومستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر في كتابه الأخير(النظام العالمي: تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ)، حيث يقول: “عبّر السياسي البريطاني في القرن التاسع عشر اللورد بالمرستون لهذا المبدأ قائلا: نحن لا نتوفر على حلفاء دائمين كما لا نواجه أعداء أبديين. أما مصالحنا فهي دائمة وأبدية، وتلك المصالح هي التي يتعيّن علينا مراعاتها. ولدى مطالبته بتحديد هذه المصالح بقدر أكبر من الدقة بصيغة نوع من السياسة الخارجية الرسمية، اعترف فارس القوة البريطانية الشهير، كما يصفه كيسنجر قائلا: حين يسألني الناس عن معنى السياسة، فإن الجواب الوحيد هو إننا نحاول أن نقوم بما يبدو الأفضل في كل مناسبة طارئة، جاعلين مصالح بلدنا المبدأ الموجه لتحركنا”.

هذه المقدمة التي يرددها البعض، حتى من السياسيين دون معرفة، قال صائغها وعمل بها، ولا يزال يعمل بها عالميا، في كل مكان، لم تعد اكتشافا ولا تحتاج إلى الكثير من المعرفة، لكن الأهم كيف يمكن للدول الكبرى وضع سياساتها، وفق ما يقوله بالمرستون، بحسب آليات صارمة تتعلق بالتحليل الاستراتيجي ووضع الخطط الاستراتيجية البعيدة المدى، دون أن تضطر إلى خسارة الحلفاء والأصدقاء أو دفع ثمن المتغيرات الكثيرة؟. اعتقد أن القيادة الكردية في غرب كردستان تمكنت من أن تنأى بنفسها من الانجرار خلف التحليلات الرغبوية، وكذلك خلف سياسات الدول الإقليمية التي لم ترى في السوريين المنتفضين في مواجهة نظام دموي سوى “أدوات” للوصول إلى السلطة والإجهاز على النظام الحالي، وخاصة تركيا والدول الخليجية، وفي المقدمة منها قطر والسعودية، وهو ما لم يعد بحاجة إلى تقديم الأدلة والبراهين.

لقد اثبت القيادة الكردية إنها كانت ولا تزال تمتلك قراءة متقدمة للأوضاع والتطورات في سوريا بعيدا عما كان يسود من خطاب شعبوي مغرِق في الرغبوية من مثيل إسقاط النظام في بضعة أشهر، وان كان موضوع إسقاط النظام خلال أسابيع أو اشهر كان أمنية كل السوريين، لكن الرغبة شيء والوقائع على الأرض شيء آخر. لقد تبين بجلاء قصور الخطاب المعارض وخاصة ذلك العائد للشخصيات كانت أغلبها جزء من النظام كما نعلم، وافتقار المعارضة إلى منظّرين يتمتعون بقدرات تؤهلهم لاستشراف آفاق الثورة السورية من خلال قراءة متعمقة لاستراتيجيات الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الرئيس باراك أوباما. المعارضة السورية التي راهنت على التدخل العسكري وبذلت كل ما تملك لتحقيق ذلك سعيا للوصول للسلطة وليس تلبية لتحقيق طموحات السوريين الذين ثاروا ببطولة “هوميرية” على حد تعبير الروائي المعروف أمين معلوف، هذه المعارضة بشقيها السياسي والعسكري هي أحد أهم أسباب فشل الثورة وبقاء النظام الدموي في دمشق بكامل منظومته. هذه المعارضة باتت تردد – خاصة – في الآونة الأخيرة: إن الدول تبحث عن مصالحها، وأن القوى الدولية فضلت تلك المصالح على معاناة الشعب السوري في تردّد ساذج لألف ـ باء السياسة، فمتى تصرّفت دولة ما وفق مصالح شعب آخر، ومتى تحركت دولة ما ضد مصالحها ولصالح مصلحة شعب آخر؟.

المعارضة التي بدأ صراخها يرتفع بعد التدخل العسكري الأمريكي في معارك كوباني التي قاومت لوحدها أعتى تنظيم إرهابي لمدة سبعة وعشرين يوما بأسلحة خفيفة، لكن ببطولة أسطورية شهد لها العالم. المعارضة التي كان عليها البحث عن تقديم أسباب الدعم لكوباني على الأقل إعلاميا كانت تتساءل؛ لماذا الدعم لكوباني وليس للمناطق السورية المحاصرة؟ وكأن الكرد هم من يوجهون السياسة الأمريكية ويمنعون الدعم عن المدن السورية؟ أعتقد أن القراءة الموضوعية للمشهد السورية مع الأخذ بالاعتبار لكل من المقاومة الأسطورية والحاضنة الاجتماعية، وفرت للجانب الكردي الأسباب المناسبة للتواصل مع العالم وفق منهجية جديدة تكمن في التلاقي مع القوى الساعية لمحاربة الإرهاب الذي وصل إلى عقر دار (الناتو) في بروكسل، وقبلها باريس.

لقد تمكن الجانب الكردي من قراءة عقيدة الرئيس الأمريكي الذي جاء بعد حروب منهكة خاضتها أمريكا في أفغانستان والعراق، وهو ما جعل الجانب الأمريكي يرفض كل المحاولات التركية لقطع العلاقات مع (وحدات حماية الشعب) أو وسم حزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهاب، بل على العكس من ذلك، فقد شهدت غرب كردستان زيارتين لمبعوث الرئيس الأمريكي (ريت مكغورك)، حيث اجتمع في مبنى مجلس وزراء مقاطعة كوباني، ومن ثم زار الجنرال (جوزيف فوتيل) قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط روجآفا، لترسيخ العلاقة المعلنة بين الجانبين الكردي، ولاحقا السوري متمثلا بـ(قوات سوريا الديمقراطية) بعد فشل الرهانات الأمريكية على العديد من الجماعات المسلحة السورية المعارضة.

لكن، من منظورنا ومن منطلق مصالحنا، في روجآفا، هل يعني كل ذلك الوثوق المطلق بالقوى الدولية وسياستها؟. لا شك إن توثيق العلاقات مع تلك القوى وتعزيزها من خلال خلق المزيد من نقاط التلاقي، ليس على الصعيد العسكري فحسب بل السياسي كذلك، أمر جدّ مهم، بل أمر يتمتع بأهمية بالغة على أن لا يغيب عن البال ما قاله اللورد البريطاني بالمرستون، والبديهي حتى لرجل الشارع الكردي من أن الدول مصالح وستبقى كذلك ما دامت الدول موجودة . فيما يحتاج الجانب الكردي إلى تعزيز تواجده ليس في المحافل الدولية فقط بل المتابعة والتوسع في الذهاب للجامعات وأرباب الصناعات والصناعيين ووسائل الإعلام كما قال الراحل إدوارد سعيد. يضاف إلى كل ذلك باعتقادي، وربما الأهم هو تعزيز تجربة الإدارة المشتركة بين الشعب الكردي وبقية مكونات روجآفا – شمال سوريا وتطوير العمل على الصعيد المؤسساتي من كافة النواحي، فالانتصارات العظيمة التي تحققها (وحدات حماية الشعب) يجب أن تتحول إلى مزيد من ترسيخ العمل المؤسسي والخدمي وفتح آفاق لمزيد من العيش الكريم أمام كل من يعيش في تلك البقعة الجغرافية.

ينبغي تمتين التجربة الديمقراطية والمشاركة في الداخل وتحويل ذلك إلى علاقات واتصالات سياسية ودبلوماسية مع العالم الخارجي، من أجل إطلاع الجميع على هذه التجربة من جهة، ومن جهة أخرى الحصول على الاعتراف والدعم السياسي المطلوب لترسيخ دعائم التجربة دوليا وفي كل المنابر.

نشر هذا المقال في العدد (47) من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/7/2016

11165113_541958725977071_7059124043412540130_n116

التعليقات مغلقة.