ميشيل وعفلق وكيلو

48

وحشة..

زاوية يكتبها طه خليل

كلما دق كوز الكرد بجرّة وطنهم، خرج عليهم مثقفو العروبة يميناً ويساراً ليعلو زعيقهم : ” ليس للكرد حقوقا في سوريا، وليس لهم وطن، وليس هناك ما تسمى بكردستان في سوريا، الكرد ليسوا بشرا، هم مجرد قرباط، وعمال مطاعم، وعتالين.. الخ.”

طه خليل1
طه خليل

هذا ما يقوله المثقفون، أما السلطات الحاكمة فحدّث ولا حرج، استخدموا ضد الكرد كل أنواع الاسلحة الحربية وحتى المحرمة دوليا، سلطات بنى لهم ” الاستعمار” دولا، وأجلسوهم على الكراسي ملوكا وأمراء ورؤساء، وهؤلاء لو عدت الى أصولهم لوجدتهم غرباء عن هذه الأرض، غرباء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالعرب الذين يسكنون أو يحتلون أرض كردستان غرباء عليها وعلى الشرق الاوسط كله، فموطن العرب كما يقول تاريخهم أنفسهم هو جزيرة العرب واليمن وبلاد الحجاز ونجد، وتلك أسماء تجدها في أشعارهم، يتغنون بالرمال والأطلال والعوسج والسراب، و” … بعر الأرآم في عرصاتها كحب فلفل.” تلك مفرداتهم تدل على جذورهم، وعلى هواهم ومنبتهم، وما وصلوا إلى هذه البلاد التي سميت قديما ميديا وميزوبوتاميا إلا على سيوف الخلافة، حيث ارتكب طغاتهم كابن أبي وقاص وابن غنم والوليد وغيرهم من فرسان تلذذوا بدم الشعوب المجازر، واغتصبوا النساء وقطعوا الشجر المثمر، وسبوا النساء، وألبسوا البشر ديانتهم الجديدة، ثوبا يفوح منه رائحة الدم، وحين استتبت لهم البلاد دخلوا الحروب فيما بينهم، وقتلوا من بعضهم ونهبوا واغتصبوا نساء بعضهم، وجزوا الرقاب ليس في كربلاء, فحسب بل في كل أرض امتدت عليها سلطة خلافتهم، حتى أوروثوها لأولاد قطاع الطرق من السلاجقة، بعد ان استبدلوا الأوطان بنساء الترك، اللواتي جلبن معهن هزّ الخصور والنقر على الدفوف، ويومها استكان الكرد لسادة ديانتهم الجديدة، من عرب وترك، ودخلوا متاهة التاريخ الموحشة، حتى قامت الدول ونهضت القوميات، فخان الكرد بعضهم بعضا، وتلذذوا بدماء بعض، فذهب نفر الى لوزان ليقول للـ” الاستعمار ” لسنا نريد دولة، اننا والترك أخوة” ونفر طلب منهم الفرنسيون أن يبنوا دويلتهم ” على مقاسهم” فتمردوا على الفرنسيين، ووضعوا يدهم بيد ابن عفلق، والأرسوزي، والحصري وقالوا نحن والعرب أخوة في سوريا، وخانهم أخوتهم، فمنعوهم حتى من أن يتسموا بأسمائهم الكردية، واليوم إذ ينهض ليوث روجآفا، وغزالاته لبناء ما فاتهم، يقف بوجههم أحفاد الخلافة، وأحفاد ميشيل عفلق مستندين على ثلة من ” الكووورد ” الذين يخدمون عند سيدهم السلطان حفيد السلاجقة، ومتحدين معا مرة اخرى لتكرار مأساة قرون، فدمشق وحدها ” هي عاصمتهم الحبيبة” وسيقصمون ظهر من يمسّ تراب سوريا”.

تلك وحشة الكردي في التاريخ، وحشته أن يظل طريدا، ويطلق عليه صيادو الخلافة كلاب صيدهم من أبناء اليسوع، فيهددون، ويتوعدون، وهم اليوم أصغر من بعوضة، وأنذل من خائن، وأحط من قواد، تلك وحشتهم ، ووحشة الكردي تقارب على الزوال، وإن أصرّ بعض نفر منهم ليكون كلب صيد عند كلاب صيد، يصطادون في مياه خيبتهم التي ستطول.

و … وحشتي، هي في روجآفايي كردستان، وضوؤها يملأ الروح عناداً بأن أبقى أحفر على أديم هذه الأرض، حتى تستدير قامات الراحلين، ويعلو سلماسها فيظللني كخرنوب ناعم.

التعليقات مغلقة.