رحى الثورة تدور وسوف تدور دون توقف !

35

Çerxa Şoreşê

طه الحامد

 طه

الفخ الذي نصبه القائد أوجلان للدولة التركية كان فخاً عصيّاً, بحيث أدخل النخب السياسية الحاكمة في دوامة وتخبط سواء على صعيد المجتمع أو بنية الدولة قد تمهد الطريق للإطاحة بكل الميراث الفاشيستي الطوراني, بل قد يطال التفكك كيان الدولة التركية القسرية التي أنشأت على أنقاض الأمبراطورية العثمانية, ولاسيما إن دورها الوظيفي في ماكينة الرأسمالية العالمية وحلف الناتو وأوربا آخذ بالأفول مع ظهور بوادر تقسيمات جديدة لعموم المنطقة و تغيّر في طبيعة ومصالح اللاعبين الدوليين والمحليين بعد إزاحة نظم مركزية في المنطقة, وبناء نظم جديدة هزيلة وفاشلة على وقع انتشار الأخطبوط الإسلاموي السياسي كمقص لقطع أوصال الدول القديمة, و فتح الطريق أمام وضع خرائط جديدة يكون للريشة الكردية دوراً ولوناً بارزين في رسم اللوحة الجديدة ليسوا كأدوات فقط إنما كلاعبين وحلفاء صاعدين للدول العظمى النافذة يحلوا محل حلفاء قدماء قد آن أوان انتهاء وظيفتهم مع انتهاء فعالية ورثة سايكس بيكو التقليديين في الشرق الاوسط القديم .

لا أستطيع الجزم إن اوجلان كان يدرك تماماً ما سوف يحصل وما يخطط له من قبل من يمسك بمقوّد قطار العولمة الرأسمالية الحديثة التي نسفت الحدود والسيادات وشيّدت الأشكال الجديدة للسيطرة على الأسواق من خلال ربط الأطراف البعيدة في القارات الهامشية بعلاقات تبعية وذيلية مع المراكز الاحتكارية مستثمرة في ذلك ثورة تكنلوجيا الاتصالات وثورة صناعة سلاح الديجيتا,ولكن أنا على يقين إن أوجلان كان غير غافل عن ذلك بدليل إنه بدأ بإعادة النظر وبشكل بحثي وفلسفي ونظري في مسيرة الحزب وأدوات وأشكال كفاحه, وظهر ذلك من خلال مرافعاته ورسائله إلى قادة الحركة, وقد كتب في حيثيات تبريره لذلك وربط هذا الانقلاب بعدة عوامل أهمها: انهيار المنظومة الاشتراكية, اشتداد توحش الفاشية التركية والخسائر الكبيرة إثناء حروب الغلاديو, وضع حزب العمال الكردستاني على قائمة الإرهاب الأوربية والأمريكية وتضييق الخناق عليه من كل البيئة الدولية والإقليمية, والسلوك التنظيمي والعسكري والسياسي لبعض قادة الحزب الذي أصبح قريباً من سلوك الأشقياء والعصابات وأمراء الحرب في بعض المناطق وبروز بوادر التكتلات والانشقاقات أدخلت الحزب في أزمة البنيوية كادت أن تطيح به وتصفية الحزب بشكل نهائي, وخاصة بعد نجاح المؤامرة الدولية في أسر القائد أوجلان وما تبعه من تداعيات خطيرة على جسم وهيكل الحزب .

ضمن تلك الظروف الداخلية والخارجية التي كانت توحي بتغيير شامل وعميق في مجرى الصراع العالمي والإقليمي ..كان لابد من إنقاذ ميراث الحزب والخروج بأقل الخسائر .

يقول أوجلان في إحدى رسائله موضحاً:لم تكن الغاية من البحث عن مصطلحات و أسماء جديدة مثل مؤتمر الشعب, أو مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردستاني أو مؤتمر المجتمع الكردستاني هي إنكار حزب العمال الكردستاني بل الغاية كانت الحفاظ على ما تبقى من الحزب وتعليق عمله تكتيكياً لفترة زمنية وليس إلغائه .

وكان الحل الديمقراطي ومفهوم الأمة الديمقراطية وكونفدرالية إخوة الشعوب هي مفتاح المرحلة .

و هذا ما ركز عليه أوجلان في كل مرافعاته ورسائله للحركة وهذا كان الفخ الذي أوقع أوجلان خصومه فيه بطريقة ذكية دون المساس بالميراث وجوهر حزب العمال الكردستاني ألا وهو شعار حرية كوردستان واستقلاله و الذي تم الحفاظ عليه في كهوف وعلى ذرى قنديل و عقول الكوادر الأساسية إلى الآن !

هذا الطرح الذي ثابر أوجلان وأصر على تقديمه عبر رسائله المشهورة, ومن خلال خريطة الطريق للسلام فتح الآفاق الرحبة محلياً ودولياً أمام التمدد الجماهيري التي فوّتت الفاشية التركية بالحائط وجعل من حزب الشعوب الديمقراطي الحامل المخلص لجوهر وكينونة حزب العمال الكردستاني بأسلوب جديد لم تعهده الفاشية التركية عليه. تلك الفاشية البيضاء القديمة وفاشية أردوغان الخضراء كانتا تتوقعان إن السلام الذي يعرضه أوجلان وإنهاء الحرب كفيلين بإنهاء النهوض القومي وطمر المشروع الثوري الكفاحي في دفاتر التاريخ وبالتالي سوف يعود الكرد إلى حاضنة الدولة القوموية التركية كمواطنين أوفياء وطيبين يرددون كل صباح شعار دولة واحدة وعلم واحد وزعيم واحد …ويهتفون أفتخر إني تركي مخلص للأمة التركية !

وفي لفتة ذكية ونظرة ثاقبة كان أوجلان قد عمل على تنقية مشروعه وأعلن الطلاق مع نماذج الأحزاب الشيوعية الكلاسيكية التي أثقلت كاهل الحزب وتجنب كذلك التماهي في طروحاته مع الديمقراطية الليبرالية و تخلص من النزعات اليسارية التركية وآفاتها التي تأثر به حزب العمال عند تأسيسه, إضافة إلى إنه عمل على إنقاذ  القضية القومية الكردية من سوق المضاربات للنظام التركي , لاسيما إن الفاشيات التركية بكل ألوانها كانت تستخدم القضية الكردية كوسيلة لتوجيه سياساتها الداخلية والركوب على عقدة الحرب الداخلية واستثمارها, فتأجيل حل القضية الكردية بالنسبة للفاشيات يعني الإبقاء على استحواذ الأحزاب الفاشية للسلطة واستغلال الحكم والإبقاء على رأسمالية الدولة الاحتكارية ونهب البلاد تحت سعار الحرب الداخلية والخارجية والحفاظ على وحدة البلاد والأمة التركية المقدسة, لأنه من المحال تسيير الدولة القوموية في تركيا في حال غاب شبح الحرب الداخلية. ومن يدرك تلك الرؤية هذه و التي دأبت عليها الحكومات التركية المتعاقبة يدرك جوهر الانقلاب الآردوغاني الأخير على خريطة الطريق التي طرحها أوجلان والتي ترافقت مع إسكات البنادق والهدنة الطويلة نسبياً, إضافة إلى إن تلك الهدنة والسلام المؤقت جعلت من شمال كوردستان تعيش حالة ازدهار ونمو اجتماعي واقتصادي وثقافي وفتحت قطاعات ونخب ثقافية وسياسية تركية آذانها لأول مرة وفتحت أعينها على قضية شعب و أرض كانت الأنظمة التركية قد أقنعتهم بخرافة عدم وجود شعب ولا أرض ولا قضية .إنما مجرد أتراك جبال نسوا أصولهم !

ما حصل في البرلمان التركي وما شاهدناه من خلال المداخلات التاريخية التي القاها النواب وعلى رأسهم ابن شرناخ البار البرلماني فرهاد يؤكد على إن روحية حزب العمال الكردستاني مازالت متوهجة ولن تمحيها كل المصطلحات والبرامج والمناورات الوقتية ..وستبقى متوهجة إلى أن ترفع رايات الحرية في ربوع كوردستان .. ذلك الخروج المشرف وعلى وقع صدح الحناجر وهي تردد المارش العسكري في اروقة البرلمان Çerxa Şoreşê هو ليس خروجاً كأيما خروج من حلبة البرلمان,فهذا المارش الذي مازال صداه يملأ ذرى قنديل وأفئدة الكريلا ..انما هو إيذان ورسالة إن مسيرة الحرية لم ولن تتوقف ..وإن حرية كوردستان كان شعاراً  مركزياً وسيبقى هدفا نهائياً لرفاق أوجلان مهما طال الزمن أو قصر .

نُشر هذا المقال في العدد (43) من صحيفة “Buyerpress”

2016/5/15

مقال2

التعليقات مغلقة.