“تجارات” رائجة في ظل الأزمة السورية..

40

إن إجراء مسح بانورامي بسيط لاقتصاد الحرب الذي يعيشه السوريون، يبدو كفيلاً بالكشف عن مهن و”تجارات” أفرزتها حاجات الناس وأوجاعهم. في ما يلي أبرزها.

 تجارة الكهرباء البديلة

استطاعت الحرب أن تجعل أكثر من نصف التوربينات العاملة على توليد الطاقة الكهربائية في سوريا خارج الخدمة، وهذا دفع الحكومة إلى اتّباع سياسة تقنين تقضي بقطع التيار الكهربائي عن الأحياء السكنية بين ساعتين وثماني عشرة ساعة يومياً، فاضطرّ السكان إلى البحث عن مصادر للطاقة البديلة وفرتها الأسواق المحلية بكثافة غير مسبوقة. المولدات، البطاريات الصغيرة (9 – 12 فولتاً)، مصابيح اليد LED، رافعات الجهد، ومصادر التغذية المستديمة UPS كانت جميعها اختراعات لم يسمع بها السوريون قبل عام 2011، لكنّها باتت اليوم واحداً من المكوّنات الملحّة في حياتهم.

  تجارة السفر

صارت الهجرة إلى أوروبا وبعض دول الخليج العربي هاجساً لدى قسم واسع من السوريين بسبب عوامل كثيرة كانعدام الأمن وقلة فرص العمل والملاحقات الأمنية وجرائم الفصائل المسلّحة والخدمة الإلزامية وغيرها. وفي ظل الصعوبات التي تقف في وجه حصول الراغبين في الهجرة على تأشيرة نظامية، ظهرت تجارة السفر كحلٍ بديل تحت مظلات اللجوء الإنسانيّ. بعض السماسرة يؤمنون وصولاً جويّاً إلى دولة السويد مقابل 15000$ للشخص الواحد. هذه التكلفة الباهظة تدفع أصحاب الدخل المحدود للجوء إلى صنف شعبوي من السماسرة يعدهم بوصولٍ آمن إلى شواطئ اليونان أو إيطاليا أو تركيا عبر رحلة بحرية تراوح تكلفتها بين 3000 و8000$ وتنتهي غالباً بانقلاب الزورق وغرق المسافرين.

تجارة المدافن

لم يعد إيجاد مدافن تتسع للعدد المتزايد من ضحايا الحرب في سوريا أمراً يسيراً. فضيق المساحات جعل سعر المدفن الواحد نحو نصف مليون ليرة في بعض مناطق العاصمة، ينسحب الأمر على التوابيت التي ارتفع أسعار بعضها ليصل إلى 200 ألف ليرة سورية (أي ما يقارب 870 دولار).

 تجارة الجنس

لا مكان للعاطفة في فوهة البندقية، الحرب تقسو على اللاجئين السوريين خارج حدود وطنهم، وتجعلهم عرضة لتجّار الجنس الرخيص. بعض صفحات الفيسبوك تتحدث عن “لاجئات للبيع”، وبعضها الآخر يروّج لزواج الفتيات القاصرات من أثرياء دول الخليج، وهذا كله يعود على سماسرته بمكاسب مادية مهولة.

تجارة الأعضاء البشرية

تحدثت تقارير عدّة صدرت منذ نهاية عام 2013 عن ازدهار تجارة الأعضاء البشرية في حلب، وقد أشارت إلى وجود مجموعات تهرع إلى مكان حدوث التفجيرات الإرهابية وتنخرط بين فرق المسعفين لإنقاذ الجرحى، لكنها، في واقع الأمر، تقوم بنقل المصابين نحو منازل حدودية لتسفيرهم لاحقاً إلى تركيا عن طريق شبكات مافيوزية، ثم تشرف مجموعات طبية متخصصة على استئصال أعضائهم وبيعها في اسطنبول أو في بعض العواصم الأوروبية المجاورة.

تجارة تصريف العملة

تشهد السوق السوداء في سوريا حراكاً غير مسبوق على مستوى تصريف القطع الأجنبي، إذ تشتغل قوى محلية وخارجية على التلاعب بالقيمة الشرائية لليرة السورية. فقد قفز سعر الدولار عشية يوم الجمعة 30.8.2013 إلى أكثر من 300 ليرة سورية، وهذا ما أشاع الهلع في نفوس الدمشقيين فأقبل كثير منهم على شراء القطع من صرّافي السوق السوداء، لتنخفض قيمة الدولار بعدها إلى أقل من 170 ليرة خلال أسبوع واحد متسببة بنكبات مالية حقيقية للمشترين. تخطى سعر صرف الدولار الـ200 ليرة سورية منذ نهاية 2014.

تجارة السلاح

مع فلتان الأمن وغياب سلطة الدولة في العديد من البقع الجغرافية السورية، انجرف السكان نحو تأمين أساسيات الدفاع الذاتي عن حيواتهم، فسعوا إلى اقتناء الأسلحة الفردية الخفيفة من مسدسات وبنادق وقنابل يدوية، يتم جلبها إلى الداخل السوري عبر الحدود اللبنانية بشكلٍ خاص، فيما يتولّى سماسرة الأزمة تصريفها مقابل أسعارٍ تراوح بين  300 و750 ألف ليرة (بين 1300 و3260 دولار) للقطعة الواحدة، وذلك حسب نوع السلاح وجودته.

تجارة الخطف

تقوم على تشكيل فصائل مسلحة تترصّد شخصيات ثرية فتخطفها وتنقلها إلى أماكن مجهولة، ثم تنطلق المفاوضة بين ذويها والخاطفين يليها الاتفاق على إطلاق سراح الرهائن مقابل فدية نقدية تناسب ثراء المواطن المخطوف. بعض الأقاصيص تحدثت عن أكثر من 60 مليون ليرة (ما يقارب 260 ألف دولار) قبضتها مجموعة مسلحة مقابل الإفراج عن مالك إحدى الجامعات الخاصة على طريق دمشق- حمص بعد أن تمكّنت من اختطافه في ظروفٍ غامضة.

تجارة المساعدات الإنسانية

تقوم منظّمة الهلال الأحمر السوري، بالتعاون مع منظمات وجمعيات خيرية أخرى، بتوزيع كم كبيرٍ من السلال الغذائية على النازحين والمنكوبين من ضحايا الحرب. وليس خافياً أن هذه المساعدات تخطئ هدفها في مناسبات كثيرة، إذ يشتغل بعض الفاسدين بالتعاون مع تجار الحرب على سرقة المساعدات وبيعها في الأسواق التجارية بأسعار تنافس أسعار السوق وسط غيابٍ شبه كامل لدور الدولة في الرقابة والمساءلة. لا يختلف الأمر كثيراً في الأحياء الخاضعة لسيطرة المسلحين، هذا ما كشفه أحد سكّان حي “الوعر” في مدينة حمص، مؤكّداً أنّ أرباح أحد رؤساء الفصائل المسلّحة من تسوّل المساعدات على أسماء النازحين السوريين في الحيّ، فاقت الـ20 مليون ليرة سورية (ما يقارب 87 ألف دولار).

التعفيش

يبدو المصطلح غير مفهوم للوهلة الأولى، فالتعفيش يعني: سرقة أثاث (عفش) البيوت في المناطق التي تنتهي فيها حالة الحرب، ثم بيعه في سوقٍ للمفروشات المستعملة. عمليات السرقة هذه يمكن أن تشمل كل ما يخطر في البال: كهربائيات، غرف نوم، مكوّنات المطابخ، سيراميك الحمامات، مفاتيح الكهرباء، أسلاك التوصيل، أنابيب الصرف الصحي… وتتولى بأعمال السرقة مجموعات مسلحة ينتمي أغلبها إلى ما يعرف اصطلاحاً بـ”اللجان الشعبية” مستغلةً انصراف الجيش السوري إلى ثكنات ومواقع عسكرية جديدة تشهد تكتلاً لواحدٍ من فصائل المعارضة أو القوى الإسلامية. تُعتبر أحياء حمص القديمة خير مثالٍ على البقع السكنية التي تمّ “تعفيشها”. يحكي “أبو طوني”، أحد المهجرين من حيّ وادي السايح، قصة مؤلمة مفادها أنّه اضطر إلى إعادة شراء فرش بيته بعد أن عثر عليه معروضاً للعابرين في سوق لبيع الأدوات المستعملة.

رامي كوسا كاتب سوري

التعليقات مغلقة.