في الصراع والصراع السوري والأمل بالحلّ

49


12324916_1676171495997045_524838861_n
سعود سعدون

عند تشكل التجمعات البشرية على وجه الخليقة ووضع خرائط وتوزيع مناطق النفوذ والمصالح وبزوغ فجر الصراعات بسبب تنوع الآراء والمفاهيم ما أن تتحول إلى تصادمات وحروب وتأثيرها المباشر على العلاقات البشرية نكون قد أصبحنا بحاجة ماسة إلى أن نبحث في تفاهمات وطرح أفكار تكون كفيلة بعدم توسيع دائرة النزاع وإلى أن ندخل في حوار لأجل إخماد نزاع وبناء سلام لابد لنا أن نعود إلى جذوره وأسبابه واختلاف الآراء والاحتياجات الأساسية للذين يسعون لتثبيتها.

إن جملة من المصالح والظروف الخاصة تلعب دوراً بارزاً في تأجيل المشاكل المعقدة حيناً من الزمن وتهدئة مفاعيلها والتخفيف من أسباب تطورها وبقاء المنطقة تحت رحمة قنبلة موقوتة لا تخدم شعوباً قد يئست بأن تبقى أسيرة لأطماع غيرها وتنقضّ على الفرصة السانحة ـ لحين ظهورهاـ لنيل حقوقها حسب تطلعاتها وهذا ما يقودنا إلى أن المصالح الدولية وأرباب السياسة العالمية لهم دور كبير في تأزم الصراعات وتأجيجها حيناً آخر وفتح نزاعات جديدة وإشعال نيران حروب وويلات نحن بغنى عنها على أن تبقى تلك النزاعات استمرارية لمصالحهم على مدى مراحل زمنية لابأس بها ما يمر به منطقتنا من تشابك لقضايا الشعوب دون غيرها وتأثير عوامل عدة منها اختلاف الثقافة والهوية وعوامل القوة الاقتصادية والعسكرية والمفاهيم الدينية وإعاقة إشباع الاحتياجات الأساسية لمجموعة دون غيرها ووقوف آخرين في وجه هذا المسعى والطموح لا بد أن ينشأ النزاع ويتطور.

لا يفوتنا أن هنالك من يراقب أو يدير تلك الخلافات من بعيد لأن الشعور بتأجيج الفوضى الخلاقة لها من يرعاها ويساندها في المنطقة وأن طغيان التعصب القومي أحد أبرز اللاعبين في أن يجعل النزاع حتمياً وهي أخطر أنواع النزاع ووقوف منطقتنا على فوهة البركان وخط زلزال درجته على الرختر قد تكون عالية يتطلب إيجاد أساليب وقائية واستباقية لتجنب الكارثة الكبرى وإنقاذ ما تبقى وإلا ستكون الفاجعة لشعوبنا والحل الأمثل والوحيد الذي بمقدورنا أن نتسابق إليه كيفية إيجاد طرق سلمية للحوار البناء وإن قتال البشر إلى هذه الدرجة وعدم الاحتكام إلى السلم واشتداد حدّة الصراعات بين الفئات التي تعاني من النزاع يكون عدد المتورطين أقل بكثير فلماذا تتحكم الأقلية بمصير الأكثرية.

هذا ما تمر به المنطقة اليوم والتي اجتازت الكثير من هول الفاجعة كذلك فالحاضنة الشعبية للحوار ما زالت أكبر بكثير من الذين يقرعون طبول الحرب “ليلا و نهارا”.

إن السائد والأقرب اليوم لاجتياز آفات دمار الشعوب لن تكون ممدّدة بالسجاد الأحمر كما يحلو للبعض بل علينا حمل ثقيل ولن نستطيع أن نجتاز المرحلة ونحن حاملين تلك الأثقال إلا أن نكون أهلا لها ولا بد أن نطمح بأن تكون كل الطرق عنصراً فعالاَ في انتزاع شرارة حرب جديدة غير التي نعايشها ونوصل مركبنا إلى شاطئ أمان وبناء سلام بين الكل وما علينا اليوم فعله أن نعتمد على آلية للنقاش والحوار.

في هذه الأيام تنعقد مفاوضات جنيف3 في سويسرا مما يشعر المرء بقليل من الأمل مع العلم أن هذ المفاوضات يلفّها الكثير من الالتباس من حيث الجهات المشاركة والراعية لها وكأن هناك عدم جدية في إنجاحها وعدم كشف الجوانب المغيبة وعدم توضيح أبعاد القضية المتباحث حولها وتغييب أطراف لها وزنها على الأرض والتمثيل غير الحقيقي للبعض الآخر وعدم التوافق فيما بينهم إلى هذه اللحظة ليأتي أهمية الحوار إلى إيجاد تفاهمات بين الفرقاء سعيا للوصول إلى نقاط جامعة وإنجاح العملية السلمية ويبقى الكل شريك الكل.

وإلا سنواجه شوطا آخر لإطالة الأزمة التي قلّ نظيرها في تاريخ عصرنا هذا وإن السماح للكل بأن يحقق ذاته من خلال رؤيته ودوره ومدى جديته في البناء الفعال في إسعاد المجتمع والتفاعل معه والعمل على تأسيس المجتمع المدني وتقوية أواصره, إن إذلال التحديات الجسام أمام حالة التوافق والعمل الدؤوب والمستمر هو تشجيع وتنقيح ثقافة الحوار وهي الكفيلة بإنجاح أي حوار وليمهد الطريق إلى إيجاد حلول لأي خلاف لاحق.

وإن التمثيل وتحقيق احتياجات أطراف النزاع وإشراك مصالح الفئات وعدم إهمال مصالح الشعوب وشعورهم بأن لهم قيمة في المفاوضات من شأنه أن يعالج جذور المشكلة يتزايد مشروعيتها والاتفاق عليها والتحرر من املاءات الخارج الذي يحافظ على أجنداته ومصالحه في إطالة النزاع وتعميقه ووضع حدّ للذين همّهم الوحيد دسّ السموم في صحن الوحدة الوطنية أو إلى الآن لم يسلم أحد من شرور أعمالهم القذرة.

إن تحديد مستوى الشمول الذي يحتاجه النجاح اللازم وتحقيق سلام دائم ومستدام بجميع المتأثرين بالنزاع وإعادة الحقوق المغتصبة في المراحل العابرة إلى أصحابها الحقيقيين, وحثّ وسائل الإعلام المختلفة بجميع أشكالها بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي واستطلاعات الرأي بأن تكون عنصراً فعالاً في الحلول للقضايا الخلافية وعرض وتقريب وموائمة وجهات النظر واستخدام كافة أساليب الاقناع للحفاظ على المصالح و الحصول على منفعة جديدة بإجبار الخصوم على أن الحوار هو خلاص للكل, فالحوار لا يحل النزاعات الحالية فحسب بل يمنع حدوث النزاعات المحتملة في المستقبل ولا ينبغي أن يلعن أمة سابقتها بل لها الحق في أن تعيش كغيرها لها حقوقها وعليها واجباتها. وإن بناء ثقافة السلام وزيادة الفهم للحل الشامل للنزاع واتخاذ القرارات الشاملة ومشاركة الجميع وعدم الإهمال لأي طرف مهما كان انتمائه وترسيخ الحوار والتعلم حول السلام وتحرير القلوب من نبضات رفض الآخر تكون النتائج مضمونة ومحكمة أكثر بحسب استراتيجية العمل المشترك.

التعليقات مغلقة.