السياسة التي تنتهجها تركيا تجاه قضية الكرد

38

 

سلمان باردو
سلمان بارودو

لذلك من مصلحة تركيا أن تنأى بنفسها عن التدخُّل والتورط في شؤون جيرانها الداخلية، وأن تتركهم في رسم مستقبلهم وتقرير مصيرهم بنفسهم وإرادتهم”.

إنّ مطامع وازدواجيّة سياسات الحكومة التركيّة بينت نواياها وخفاياها للقاصي والداني، وخاصة المُذكّرة التي وافق عليها البرلمان التركيّ في تشرين الأول عام 2014، هذه المذكرة التي كانت تمنح الحكومة التركية جواز إرسال قوات عسكريّة خارج الأراضي التركية، وذلك لمواجهة التهديدات التي قد تتعرض لها تركيا – هذا حسب ما تضمنت تلك المذكرة – حيث كان تصريحات المسؤولين الأتراك أنذاك كانت تتجه وتترجم مضمون تلك المذكرة، وخاصة عندما كانت تركيا تصرّ على إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، ليس هذا فقط بل إنما أبدت استعدادها لتولي حماية تلك المنطقة بمفردها، وحسب ما تتطلب مصالحها وأهدافها.

إنّ هذه النوايا والسيناريوهات من قبل الحكومة التركية تضعها في مصاف الدول التي تتدخل في الشؤون الدّاخلية للغير، دون أخذ أيّ اعتبار لغطاء أو شرعيّة دوليّة تعطيها هذا الحق إن جاز التعبير.

إذ إن تركيا كانت معروفة من حيث دعمها القويّ واللامحدود لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي ” داعش “، حيث منعت الشبان الكرد من الذهاب إلى كوباني لمقاتلة هذا التنظيم الإرهابي وذلك للدفاع عن أرضهم وعرضهم في وجه أكبر قوة عالميّة إرهابيّة في تاريخ البشرية المعاصر.

إن المتابع للوضع التركيّ – وخاصة منذ وقف عملية إطلاق النار من قبل حزب العمال الكردستاني وحتى هذه اللحظة-  لاتزال ذهنية الحكومة التركية قائمة على قاعدة إنكار الهوية الكرديّة والتهرب من استحقاقات المرحلة الراهنة والمستقبلية، ولم يتوصل الجانبان إلى نتائج عملية ملموسة تخدم الطرفين، رغم إغداق الحكومة التركية الكثير من الوعود ولكنها لم تترجم أيٍّ من هذه الوعود على أرض الواقع بشكل عملي وتطبيقي، لذا فإنّ الجهود لحل المسألة الكرديّة تعتريها الكثير من العقبات والعراقيل من قبل الحكومة التركية.

لا بل زادت حساسية ومخاوف الحكومة التركية أكثر فأكثر عندما قامت قوات التحالف الدوليِّ حماية المناطق الكردية في كلٍّ من سوريا والعراق بطريقة عملية وعلنية، ودعم مقاتليها في وجه تنظيم داعش الإرهابي، وإصرار التحالف الدوليِّ على تقديم وإرسال كافّة أنواع الدّعم اللازم لمقاتلي الكرد في كوباني، هؤلاء المقاتلين الذين نجحوا في كسر أسطورة داعش وكسب الرأي العام العالميّ إلى جانبهم، خلافاً لإرادة الحكومة التركيّة، يعتبر هذا الدعم مكسباً كبيراً في الحرب ضد الإرهاب، وفي الوقوف إلى جانب الشّعب الكردي الذي يتعرض لأشرس هجمة إرهابية .

إن مقولة أردوغان التي تتكرر في الكثير من المناسبات من أنه لا توجد مشكلة كردية في تركيا، إن هذا الكلام يثير الكثير من التساؤل وعلامات الاستفهام، لا بل يطفئ مناخ وأرضية التواصل والتفاؤل الذي ساد بين الطرفين منذ فترة، لا بل ذهب أكثر من ذلك عندما صرح قائلاً: “أنا ضد قيام كيان كرديّ حتى لو كان في افريقيا”.

لذلك من مصلحة تركيا أن تنأى بنفسها عن التدخُّل والتورُّط في شؤون جيرانها الداخليّة، وأن تتركهم في رسم مستقبلهم وتقرير مصيرهم بنفسهم وإرادتهم.

لذا على تركيا الإقدام والمبادرة بكل جرأة وشجاعة؛ الاعتراف الدستوريّ بالهويّة الكرديّة كاملة دون انتقاص، وذلك للوصول إلى دولة ديمقراطيّة مدنيّة تعدديّة، دولة لكل مواطنيها.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 21 بتاريخ 2015/6/15

التعليقات مغلقة.