د. وليد البني: قراءة في نتائج الانتخابات التركية

37
walid-bouni11
د. وليد البني

انتهت الانتخابات النيابية التركية وظهرت النتائج شبه النهائية، نتائج يجب على الجميع قراءتها بتمعن، لما لها من أثر على التطور الديمقراطي في المنطقة بشكل عام وعلى سوريا ومصيرها ومصير ملايين اللاجئين السوريين  في تركيا بشكل خاص.

لقد اختار الشعب التركي وللمرة الرابعة على التوالي حزب العدالة والتنمية وبفارق كبير عن منافسيه ، حيث أظهرت النتائج فرقاً يناهز الستة عشرة نقطة بين حزب العدالة والتنمية الحائز على المركز الأول وحزب الشعب الجمهوري الحائز على المركز الثاني، بينما استطاع حزب الشعوب الديمقراطي والذي يمثل كرد تركيا أن يجتاز حاجز العشرة بالمائة وبالتالي سيدخل البرلمان التركي لأول مرة وبوزن مؤثر،  حيث قد يحصل على ما يقارب الخمسة وسبعين مقعداً.

بقراءة أولية لهذه النتائج نستطيع استخلاص ما يلي:

-إن الشعب التركي لا يزال يثق بالبرامج السياسية والاقتصادية لحزب العدالة والتنمية ، بدليل حصوله على المركز الأول بفارق كبير عن أول منافسيه، لكنه  أي الشعب التركي،  لا يريد أن يسلم مصيره الى حزب ايديولوجي واحد الى ما لانهاية، وخاصة بعد النوايا التي أعرب عنها أردوغان برغبته بتغيير الدستور التركي وتحويل تركيا من النظام البرلماني الى  الرئاسي وخاصة بعدما تم تعديل الدستور ليكون هو أول رئيس يجري انتخابه من الشعب مباشرة، وبالتالي لو نجح بالحصول على عدد أصوات كافي لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهوري وتنفيذ خطته في انهاء العمل بالنظام البرلماني والانتقال الى نظام رئاسي يتولي فيه هو منصب الرئاسة،  لتحول فعلا  الى سلطان  تركي جديد يفعل ما يشاء . وربما هذه الرسالة التي أراد الأتراك إيصالها له ولحزبه:  بأنهم يثقون بسياسته ونزاهته ولكن ليس لدرجة أن يعطوه الصلاحية ليحكم تركيا بمفرده، وخاصة نتيجة مخاوف شريحة كبيرة من الأتراك من إمكانية المس بالنظام العلماني لتركيا  وإرث اتاتورك.

-في الحياة الديمقراطية ومهما امتلك الزعيم من كاريزما، وبرامج اقتصادية حققت نتائج ملموسة ، إلَّا أن خشية الشعوب التي عانت طويلاً من الديكتاتوريات وحكم الفرد، من إمكانية عودة هذه الديكتاتوريات ولو بلبوس أخرى، تجعلها حذرة من إمكانية منح صلاحيات مطلقة لأي زعيم( ديغول محرر فرنسا مثالاً) وبالتالي لو أراد السيد أردوغان وحزب العدالة والتنمية استعادة ثقة الأتراك فإن عليه أن يتراجع عن برامجه المتعلقة بتعديل الدستور وتركيز الصلاحيات بشخص رئيس الدولة، وأن يبدأ حزب العدالة والتنمية بالبحث عن الأخطاء التي أدت الى تراجع شعبيته رغم أدائه الاقتصادي الجيد.

-فيما يخص القضية السورية، لا أعتقد أن الكثير سيتغير، فالذي سيشكل الحكومة الائتلافية هو حزب العدالة والتنمية، لأن هناك شبه استحالة في أن تتفق الأحزاب الثالثة الأخرى( الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي) على الائتلاف لتشكيل حكومة وإبقاء العدالة والتنمية في صفوف المعارضة، فحزب الشعوب الديمقراطي مثلاً يفضل ألف مرة التحالف مع العدالة والتنمية على التحالف مع حزب الشعب الجمهوري أو الحركة القومية، وكذلك لن يكون من السهل على حزب الحركة القومية التركي التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي والذي يمثل الحركة القومية الكردية في تركيا. لذلك وبما أن حزب العدالة والتنمية هو من يكون صاحب اليد الطولى في تشكيل الحكومة المقبلة، لذلك فإن التغيير الذي قد يحدث على العلاقة التركية مع سوريا والسوريين لن يكون مرئياً بشكل واضح، إلٌا أن علينا كسوريين أن لانراهن الى مالانهاية على أحد وأن نبدأ تلمس الطريق لإنهاء مأساتنا وإعادة أهالينا الى ديارهم.

في النهاية لابد ان أقول أنني شعرت بالكثير من الغيرة والحسد تجاه الديمقراطية التي استطاع جيراننا الأتراك بناءها وترسيخها ، وببعض الإحباط بسبب أن شعوبنا العربية لا تزال بعيدة عن  القدرة على توجيه رسائل مماثلة لحكامها كل أربعة سنوات، وبسبب الثمن الباهظ الذي دفعناه وندفعه كسوريين بسبب توقنا الى يوم نستطيع فيه انتخاب حكوماتنا أو اسقاطها عبر صناديق الاقتراع.

كلنا شركاء

التعليقات مغلقة.