وحشة

31
طه خليل
طه خليل

لو طلب مني أن أكتب عن الشاعر الفاشل، لبدأت بالقول كل من يصدر ديوانا ويهديه لأمه ويوسمها بأجمل ام في الدنيا، التي رعته وأرضعته من حليبها الطاهر والنقي وما شابه ذلك، أو الذي يهديه لـ ” حبيبته ” التي علمته معنى الحب الصافي، والتضحية، وكانت ملهمته في كتابة ما يسميه شعرا، والذي يختار مدينة لم يسمع بها أحد، ويوصفها  بمدينة الحب مثلا، ومن يكتب ” شعرا ” بهذا التعبير:

” غبار قلبك يرتطم بصباحات الجرح، ونرجس ظل روحك يتفتت كأرق يتمدد تحت السنين، وروحك الملوثة بغبار طلع يتساقط من أكمة الوقت المتشظي تحت حفيف الزيزفون.”

الشاعر الذي يعتقد أن أمه هي أجمل أم في الدنيا، وأن حليبها أنقى من حليب بقرات الألب في الوقت الذي تردد أمه ليلا نهارا بأنه ” شير حرام ”  وحبيبته التي لم يسمح لها يوما أن تقول رأيا خارج دائرة الإعجاب به وبتضحياته الشعرية الثورية، لن يكون شاعرا حتى لو حصل على جائزة ” ظنبوب الناقة ” للشعر الحديث في إمارة الفجيرة، أو ” وسام حافر حصان الشيخ مجحم  للحداثة” في منطقة عسير ووادي ثقيف في مملكة بو متعب.

وقِسْ ذلك على الثوار وعلى الفنانين التشكيليين والمخرجين السينمائيين، ومؤخرا الروائيين, معظم مصوري العرائس تحولوا بقدرة ” الثورة السورية المجيدة” الى مخرجين سينمائيين أو تلفزيونيين، ومعظم الفاشلين دراسياً تحوّلوا إلى صحفيين لقنوات كردية و ” كوردية” تكاثرت كالفطر، وكل يمطّ صوته، واسمه في آخر ” تقريره” الإخباري كما لو أن “بيتر شفاينباخ” المراسل الحربي في الحرب العالمية الثانية قد سلمه راية المراسلين الحربيين.

لاشك أننا نحتاج كل هؤلاء، كل هؤلاء الشعراء الفاشلين والمخرجين والكتاب، والصحفيين والمراسلين، ولكن حين ينزوي المبدعون في زوايا معتمة ومنسية، فلا بد أن نكتب عن هؤلاء كنوع من المواساة للمنزوين، المنتظرين فرح الصفحات البيضاء بأقلام تمر عليها كما تمر أصابع العازف على كمان الإلفة، والشجن الخفي في عيون عاشقة خجولة.

ونحن المنكوبون في وحشتنا سننتظر طويلا لتمرّ الغزالة، وتدوس بحويفرها الحاد طرف قلبنا، لنصرخ في شجر لا يكبر من وحشته في هذه البلاد.

 

نشر في صحيفة Bûyerpress في العدد 19 بتاريخ 2015/5/15

التعليقات مغلقة.