الكٌرد، وامتحان المائة عام – د.شوقي محمد

24

 

“ليس حق تقرير المصير إلا كذبة تاريخية كبيرة، خُدعت بها الشعوب المضطهدة. حيث لم يشهد التاريخ أن شعباً قرر مصيره بنفسه دون تضحيات، أو مُنح ذلك بدون مقابل”.

الدكتور-محمد-شوقي
د.شوقي محمد (باحث وأكاديمي اقتصادي)

وليس ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من انهيارات أنظمة دامت لعشرات السنين؛ ومسح لتلك ” الخطوط المرسومة على الخرائط، والتي علمونا إياها عندما كنا صغاراً بأنها حدود ” ليرسموا بديلاً عنها خطوطاً جديدة بقرارات من ساسة الدول الكبرى وبما يتوافق مع مصالحهم السياسية والاقتصادية؛ وليس تماماً وفق نظرية المؤامرة، كما يروج لها المتضررون. فهناك فرق بين التآمر وبين السعي لتحقيق المصالح. هذا فضلاً عن التجاذبات الدولية، التي حدثت نتيجة للأزمات التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط وبعضاً من دول وسط آسيا، وأفضت إلى انهيارات العديد من الأنظمة الحاكمة فيها العربية منها والإسلامية. بدءاً من نظام طالبان الإسلامي في أفغانستان، مروراً بنظام صدام حسين العروبي في العراق، وليس إنتهاءً بنظام الحكم الشمولي القومي في سورية.

وفي ظل تنامي الصراع الدائر في سورية التي تحولت بنتيجته إلى ساحة حرب مفتوحة؛ أدت إلى إنهيار معظم مفاصل الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ومؤخراً العسكرية. الأمر الذي قد يفضي إلى تقسيم البلاد إلى أقاليم على أساس عرقي أو طائفي كما حدث في العراق.إذا ما استمر الصراع المسلح في شكله الحالي.

وفي خضم الأحداث الشائكة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في منطقة الشرق الأوسط؛ يمكن التساؤل، ماذا سيكون مصير الشعب الكردي في نهاية المطاف. وما هوالدور الذي يمكن أن يلعبه في منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة؛ وهل سيكون جزءاً من اللعبة، أم لاعباً رئيسياً فيها. على اعتباره أحد المكونات الأربعة الرئيسية في المنطقة.

منذ المحاولات المتكررة للولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط عسكرياً حيناً واقتصادياً أحياناً؛ التي تحتوي على أكثر من ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط؛ ويمر عبرها أكثر من 40% من تجارته. الأمر الذي سيفتح الباب واسعاً أمامها للتحكم ليس فقط بمستويات القرار السياسي والقرار الاقتصادي العالمي، بل وبزمنية طرح مثل هذه القرارات. وبالتالي ستصبح قادرة من وراء ذلك على إدارة الأزمات المختلفة على الساحة الشرق أوسطية خصوصاً؛ والدولية عموماً مدعومة بقوتها العسكرية والاقتصادية. ومنذ ذلك الوقت وقفت العديد من أنظمة الحكم في المنطقة، والتي تعارض سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في وجه المصالح الأمريكية وسياساتها، واتبعت سياسات معادية لها، أدت بها إلى مواجهات مباشرة معها كما في العراق وأحياناً غير مباشرة كما في إيران. وقد أودت هذه المواجهات بنظام صدام حسين، وتحويل العراق إلى بؤرة للتطرف ومنبعاً للإرهابيين، وساحة للحرب تتقاتل فيها مجموعات متلونة من الميلشيات الطائفية المتطرفة؛ والأهم من ذلك قيام كيان كردي في شمال العراق. ليصبح كٌرد العراق لاعبون أساسيون في رسم مستقبل العراق والبحث عن تأسيس دولة كردية مستقلة، قال عنها رئيس الأقليم بأنها آتية لا محال. كما أجبرت تلك المواجهة مع الولايات المتحدة النظام الإسلامي في إيران مؤخراً للرضوخ، وتوقيع إطار إتفاق بشأن ملفه النووي تحت ضغوط العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ أكثر من عشر سنوات؛ والتخفيض الممنهج لأسعار النفط في الأسواق العالمية بداية النصف الثاني من العام الماضي بهدف تجفيف منابع العوائد المالية للنظام الإيراني؛ وبالتالي التقليل من قدراته في دعم حلفائه في المنطقة عسكرياً ومالياً والتفرغ لمواجهة التحديات الاقتصادية المحلية.

كما لم يثبت نظام أدروغان في تركيا، من خلال التدخلات الأمريكية المتلاحقة في المنطقة، أية نواح إيجابية اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية كحليف رئيسي واستراتيجي لها (وكعضو في حلف الناتو)؛ بل على العكس تصرف وفقاً للمثل القائل (يعرف من أين تؤكل الكتف) في تعامله مع القضايا والتطورات التي حدثت وما زالت تحدث في المنطقة. محاولاً تسخيرها لمصلحته ودون أي اعتبار للمصالح الأمريكية أو الغربية.

وهنا أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن المكونات الرئيسية الثلاثة القائمون على إدارة الدول في المنطقة؛ وهم الإيرانيون والأتراك والعرب، ليسوا حلفاء المستقبل. فالنظام الإسلامي في إيران وبالرغم من توقيع إطار الاتفاق المشوه مع الولايات المتحدة بشأن ملفها النووي؛ ما يزال يعتبر أمريكا الشيطان الأكبر، ولا يعترف بوجود دولة إسرائيل. حزب العدالة والتنمية وسياساته الأردوغانية تغني في فضاء المصالح الطورانية؛ حتى لو كان بعيداً عن فضاءات المصالح الأمريكية وحلفائها الآخرين في حلف الناتو. الأنظمة العربية الشعبوية القومجية تهالكت، وبدأت تتهاوى الواحد تلو الآخر.

لذلك وقع الكٌرد، المكون الرئيسي الرابع في منطقة الشرق الأوسط. والبعيد تاريخياً عن إدارتها، تحت دائرة أضواء مراكز القرار في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الكبرى. لما قد يلعبه الكٌرد من دور هام في رسم سياسات المنطقة بل وإدارتها؛ وبما يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، السياسية والعسكرية والاقتصادية القائمة في منطقة الشرق الأوسط. مما قد يفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق حلمهم التاريخي في إقامة دولة كردية كبرى؛ الأمر الذي لا يمكن حدوثه بعيداً عن التوافق مع مصالح الدول الكبرى وتوازنات القوى الدولية. مما شكل في هذه اللحظة التاريخية نقطة إلتقاء بينهم وبين تلك الدول، التي بدأت تبحث بجدية عن دولة قوية وحليفة جديدة في المنطقة؛ تتوافق في السياسات والمصالح ومواجهة الإرهاب والتطرف مع سياساتها ومصالحها. ولم يكن زج الكٌرد في مواجهات عسكرية مباشرة في شنكال وكوباني مع تلك القوى الإرهابية، إلا إختباراً لوحدة الصف الكردي، ولذهنية هذا الشعب الذي لم يشهد تاريخه لا قتلاً ولا إرهاباً ولا جرائم ولا خيانات.

إذاً هي فرصة المائة عام التاريخية تتكرر مرة أخرى، لتضع الكٌرد أمام امتحان تاريخي كبير. فهم يملكون التاريخ القويم، والأرض الغنية، وشعباً بإرادة حديدية، وقيادة تحمل إرثاً نضالياً تاريخياً، وتحظى باحترام شعبها، وبوزن وتقدير في المحافل الدولية. فهل سينجح الكٌرد في الامتحان ؟ وفوق ذلك هل سينجحون في إغتنام الفرصة؟

تنويه و اعتذار: نشرت المقالة في العدد (19) من صحيفة  الورقية Buyerpress تاريخ 2015/5/15 , ونتيجة خطأ في التصميم تداخلت بعض الفقرات في المقالة. أسرة التحرير تعتذر من الكاتب ومن قرّائها الكرام .

د.شوقي محمد  (باحث وأكاديمي اقتصادي)

التعليقات مغلقة.