بعد الحرب العالمية الثانية .. ثورة البارزاني:

123

دلاور زنكي

11063286_836840946371031_1073756297_nفي عهد الإمبراطورية العثمانية كانت حركة تحرير كُردستان العراق، قد بدأت في مناطق بارزان احتجاجاً على احتلال كُردستان. في عام /1914/ وبسببها اعتقلت القوات العثمانية  الشيخ عبد السلام البارزاني وأعدمته في مدينة الموصل، مما زاد من تأجيج الدعوات الرافضة للوجود العثماني والمطالبة بالحرية، وبين عامي /1931 ــ 1932/ انتفض البارزانيون ضد البريطانيين، قادها الشيخ أحمد البارزاني (شقيق الشيخ عبد السلام)، واستمرت المعارك بين الجانبين إلى أن تسلم قيادتها شقيقه مصطفى البارزاني، الذي بفطنته وبراعته استطاع  استمالة غالبية أفراد الشعب الكُردي فتقبلوا قيادته قبولاً حسناً، مما ساعد على تحول مجريات الانتفاضة الصغيرة إلى ثورة عمت معظم كُردستان العراق حتى عام / 1945 /، فغادرها متوجهاً إلى كُردستان إيران يرافقه /800/ من رفاقه وعلى رأسهم شقيقه الشيخ أحمد، للمشاركة في ثورة كُرد إيران، ومكث فيهم يدير شئون الجيش برتبة جنرال رئيساً لهيئة أركان القوات المسلحة، حتى سقطت جمهورية مهاباد عام / 1947 /.

تأسس الحزب الديمقراطي الكُردستاني في كُردستان العراق عام / 1946 /ونصّب مصطفى البارزاني رئيساً للحزب، وبعد انهيار جمهورية كُردستان- مهاباد حاول العودة مع رفاقه المقاتلين إلى كُردستان العراق، ولكن القوات العراقية منعته من الدخول، فتوجه مع رفاقه إلى الاتحاد السوفييتي سيراً على الأقدام، وبعد مسيرة طويلة وشاقة كانوا خلالها يدخلون أراضي كُردستان العراق، ثم يضطرون للخروج والتوجه نحو كُردستان إيران فتتصدى لهم قوات حكومتها، فيدخلون كُردستان تركيا فتقاتلهم قوات حكومتها وتلاحقهم، ليدخلوا مرة أخرى كُردستان العراق، وهكذا دواليك استمرت مسيرتهم الطويلة، وفوقهم كانت تحوم الطائرات الحربية تقصفهم بقنابلها وترميهم برشاشاتها، فيلوذون بالأشجار وفيالق الجبال يتسترون تارة، و بجوار صخور الجبال الوعرة يحتمون تارة أخرى، وباتت الكهوف المكان الآمن لهم ففيها يعالجون جرحاهم ويرتاحون وينامون، والطريق نحو الأراضي السوفييتية أمامهم طويلة ومحفوفة المخاطر، إلى أن وصل البارزاني حدود الاتحاد السوفييتي، فوقف ينتظر وصول آخر رفاقه، وتفقدهم فبلغ عدد الواصلين / 500 / والبقية استشهدوا خلال مرحلة الانسحاب المريرة، فعبروا الحدود ليصبح مع رفاقه في عهدة الشيوعيين أكراداً لاجئين. وبقرار سياسي من الحكومة الشيوعية تم توزيعهم في عدة جمهوريات سوفييتية (لتشتيت شملهم). استقر البارزاني ورفاقه في الاتحاد السوفييتي حتى عام /1958/، خلال فترة اللجوء عانى الجميع لوعة الفراق، وآلام الغربة ومعيشتها المضنية.

في العراق حدث الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبد الكريم قاسم، ضد حكومة سعيد في العهد الملكي عام / 1958 / فأصدرت القيادة الجديدة العفو العام ليشمل البارزاني ورفاقه، ورافق قرار العفو قراراً بتسوية القضية الكُردية في العراق، وبموجب مفاوضات التسوية تم الاعتراف بالحكم الذاتي للكُرد على أراضي كُردستان العراق، إضافة لمشاركتهم في مسئوليات الحكم مع الحكومة المركزية في بغداد، وأخطرت القيادة العراقية الحكومة السوفييتية بمشروع الاتفاق، وعلى ضوءه تمت دعوة البارزاني ورفاقه رسمياً بالرجوع إلى الوطن. واستقبل رسمياً البارزاني أثناء وصوله استقبال الرؤساء. وفور وصوله أعلن عن بالغ سروره بقرار الحل السلمي الذي اتخذه العراق لإنهاء الخلاف بخصوص قضية كُرد العراق، وأعرب عن أمله بأن تتخذ الحكومات المجاورة للعراق ذات الحل الذي اتخذته الحكومة العراقية ( فكانيعني بذلك الحكومات في إيران وتركيا وسوريا ).

وبعد عامين تأزمت العلاقات بين البارزاني والنظام العراقي الذي لم يلتزم بوعوده، فقرر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مصطفى البارزاني في 11 / 9 / 1961 أيلول، تشكيل قوات البشمركة وإعلان الكفاح المسلح، فاستمرت المعارك والحروب بينهما حتى عام / 1970 /، خلالها كانت الحكومة العراقية تضعف يوماً بعد يوم وبالمقابل تتعاظم قوة الثورة، وكانت غالبية أرض كُردستان العراق قد تحررت وباتت تحت هيمنة قوات البشمركة، ومن جديد جرت المفاوضات بين الجانبين حتى 11/3 /1970 حيث وقعت اتفاقية آذار، التي نصت على منح الحكم الذاتي للكُرد ضمن الدولة العراقية، وحددت مهلة /4/ سنوات لتنفيذ بنود الاتفاق. ولكن النظام العراقي أخلّ بوعوده، فتجددت العمليات الحربية في 11/3/1974، ودامت سنة خلالها كانت قوات البشمركة بقيادة مصطفى البارزاني تحقق الانتصارات المتتالية على القوات العراقية، فساءت أحوال النظام العراقي ليستنجد بشاه إيران، وفي الجزائر اتفقت الدولتان العراقية والإيرانية على وثيقة (اتفاقية الجزائر). ثم جرى التوقيع عليها في طهران بشكل رسمي يوم 5/3/1975، وقد ورد فيها:

1ــ تجديد رسم الحدود بين الدولتين.

2ــ حماية الحدود وتشديد الرقابة عليها لحظر التحرك الكوردي.

ووفق شروط المعاهدة فقد تخلى شاه إيران عن مؤازرة الكرد، بل وقف بالمرصاد أمام التحرك الكردي، فلم يبق للكُرد أي أمل في إحراز النصر وهم محاصرون بين هاتين الدولتين. مما حدا بالقائد البارزاني لدعوة أركان حزبه وثورته وعقد معهم آخر لقاءاته, وخلال الاجتماع أمرهم (ملتمساً) تأجيل الثورة للزمن القادم، حرصاَ على سلامة الكرد، والتخوف من تعرضهم للإبادة الجماعية على يد أناس خلت الرحمة من قلوبهم. وخرج القائد حزيناً يحمل معه أثقال هزيمة ما كانت لها أن تقع, لولا غدر، وخيانة، الحكومة العراقية (من جهة)، والتواطؤ الدولي (جماعة اتفاقية الجزائر من جهة أخرى)[1] .

 

 

-القائد الكُردي الخالد ملا مصطفى البارزاني (في سطور):

فلقد كان ملا مصطفى البارزاني أسماً على مسمى، والذي غرست محبته في قلوب الناس, وبات أسمه خالداً في وجدان وذاكرة كل إنسان تعرف أو قرأ شمائل الرجال. وعندما يُذكر الكُرد في أي بقعة من بقاع الأرض، يُذكر الملا مصطفى البارزاني كثنائية لا تنفصل. وهو الذي عرف الله فارتقى، وخاف ربه فأستوى، ولم يركع إلا في صلاته ( كفى بها صفات تدحض كل منسوب سيء إليه )، وهو من كان يلبس كما يلبس رفاقه, ويأكل ما يأكلون, ويشرب ما يشربون, وينام حيث ينامون, ويقاتلون معه حيث يقاتل (صفات القلة من عظماء الشعوب)،بحق كان أنموذجاً جبلياً, شجاعاً, عنيداً, تعرف على مرارات الاعتقال وهو صبي. وشارك عام /1919/ في ثورة الشيخ محمود البرزنجي. واكتسب الخبرة والمهارة، وأعباء قيادة المقاتلين، وتحمل عناء قيادة ومسؤولية حركة التحرر الكُردية منذ عام /1932/. وقد ناصر الكُرد الإيرانيين، حتى قيام جمهورية كُردستان الديمقراطية – مهاباد، التي منحته لقب الجنرال ومنصب رئيس هيئة أركان جيشها حتى يوم سقوطها، ليهاجر مع رفاقه من المقاتلين سيرا على الأقدام نحو أراضي الإتحاد السوفييتي، ليصبحوا منفيين, وتم توزيعهم على مختلف أرجاء الأراضي السوفييتية. وبعد موت ستالين بأيام قليلة، جاء إلى موسكو، ليقف أمام مكتب استعلامات  الكرملن, وليطرق بشـدة بابه قائـلا: (لست أنا من يطرق الباب.. أنها ثورة التحرر الكردية). وبدعوة من الجنرال عبد الكريم قاسم عاد للعراق عام /1958/ وبعد وصوله لبغداد قال: {آمل على الحكومات المجاورة للعراق بأنتمنح الكُرد في بلدانها، ذات الحقوق التي منحت لكرد العراق}. وفي عام /1959/ بدأت حكومة عبدالكريم قاسم بتقليص الامتيازات الممنوحة   للكُرد المتفق عليها مسبقاً، فتوترت العلاقات بين الجانبين. وفي عام /1961/ قررت حكومة عبد الكريم قاسم فرض الحظر على نشاطات الحزب الديمقراطي، فقابلها الحزب بتأسيس البيشمركة، وأعلنت الثورة ضد النظام، حتى ثورة البعث / شباط 1963 /. حين طلب الجنرال عبد السلام عارف وقف الاقتتال والشروع بالتفاوض، فوافق الملا مصطفى البارزاني، وخلال إجراء الاتصالات حول تشكيل جمهورية فدرالية عربية (مصر، العراق، سورية)، أرسل ملا مصطفى البارزاني الوفد الكُردي المرافق للوفد العراقي العربي إلى القاهرة، ونيابة عن نفسه ليترأس الوفد كُرد العراق عين السيد جلال الطالباني (الرئيس الحالي للعراق الفدرالي)، حيث قدم الوفد الكُردي مذكرته للمجتمعين وجاء فيها: {.. الشعب الكُردي مع قيام الوحدة العربية، وفي حال اندماج العراق في هذه الوحدة، فإن مطلب الكُرد إنشاء إقليم كُردي مرتبط بدولة الوحدة. وفي حال بقاء العراق خارج أية وحدة عربية، فمطلب الكُرد من المجتمعين تأكيدهم على الحكومة العراقية، بأن تلتزم للكُرد بتنفيذبيان الجمهورية العراقية حول اللامركزية في الحكم (كما كان متفقا عليه) ..}. وفي عام / 1970 / تم توقيع اتفاقية آذار فعن الحكومة العراقية وقع صدام حسين, وعن الكُرد وقع ملا مصطفى البارزاني، وكانت الاتفاقية تلزم كلا الجانبين احترام تنفيذ كامل بنودها، على أسس من الأخلاقية والمبدئية، ولكن الحكومة العراقية خانت المبدأ، ولم تلتزم بما وقعت عليه، بل على العكس منها وقعت معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي عام /1972 /.

 

 

 

[1]نفس المصدر السابق.

التعليقات مغلقة.