صورة دمويَّة

33

صورة دمويَّة

مصطفى تاج الدين

مصطفى تاج الدين

(أثناء حلاقة الذقن)
بصعوبة ٍكان يطارد وجهه في المرآة, وهو يحلقها منذ دقائق.
ذلك البخار المتصاعد من صنبور الماء الساخن فوق المغسلة, لوث المرآة بضباب ٍكثيف.. مما جعل عملية الحلاقة صعبة للغاية.
خلفه تماماً باب غرفة الجلوس, والذي يقابله من الجهة الأخرى, ذلك التلفاز وهو ينقل الآن آخر الأخبار الدموية عن تلك المدينة.
أزعجه كثيراً صوت التلفاز المرتفع, أما ضباب البخار الذي سيطر بشكل ٍ
نهائي على كل السطح الزجاجي للمرآة.. فقد أوصل شتائمه ــ وبحنق ــ حتى رأس لسانه.
كان يمرر بعصبية آلة الحلاقة على أعلى رقبته, عندما شعر بوخزة ٍحادة.
تآوه, وضع سبابته مكان الجرح, ثم تأمل بقعة الدم عليها.
بكل نزق ٍمسح بطرف كمه نصف المرآة, علّه يرى ذلك الجرح, انحنى إليها وحدق فيها جيداً..
سرعان ما شهق بخوف وارتد إلى الخلف, وهو يرى في نصف المرآة,
صورة ًدموية ًلمجزرة ٍجماعية…
أعيته الدهشة التي شلت ملامح وجهه لبرهة, أثناء تسارع خفقات قلبه..
صوت التلفاز أيقظه من هذه المفاجأة المريعة, بلع ريقه واستدار عن غير قصد, لينظر إليه من بعيد..
أمعن النظر به, شهق مجددا ً, وهو يلمح عن كثب..
هناك, في منتصف الشاشة.. جرح رقبته..

(تشكّل)
قبل الحدود ببضع تلالٍ ومنحدرات, انهمرت عليهم القذائف, فركض أولئك النازحون بصخب ٍ وخوف.
التقط الأب يد طفله, وهرولا مع العشرات في هذه الفوضى البشرية.
القذائف قتلت بعضهم وجرحت بعضهم, لكن لا أحد انتبه لأحد في فوضى الرعب هذه.
بعد أن اجتازوا الحدود تنفسوا الصعداء.. ثم مشوا نحو ذلك المخيم.
باستثناء هذا الطفل الذي عندما تخطى الحدود نظر إلى يمينه, فلم يشاهد من كل والده إلا يده الممسك بها.
تأمل الطفل يد والده المقطوعة, ضمها إلى صدره, ثم جلس على صخرةٍ جانب الأسلاك الشائكة.
ابتسم ببلاهة وهو يمعن نظره في البعيد, منتظراً قدوم أشلاء والده, لتتحد مع يده هذه فتعيد تشكيله.
تماماً.. مثلما كان يتشكّل (غرندايزر ) في ذلك المسلسل الكرتوني..

(متشرد)
منذ بداية هذا الشتاء, وكلما مررت من أمام متجر الألبسة النسائية الفاخرة, أنظر إلى واجهته.. فأشاهدك بكل جمالك خلف الزجاج بفستانٍ رقيق, وأنت تفتحين ذراعيك لتعانقيني بحب.
رغم هذا.. و لمساءات عديدة.. كنت أُكذب في سري رغبتكِ بمعانقتي.
هذا المساء.. صدقتُ.. عندئذٍ, ركضت إليك بسرعة حتى أُعانقك, لترتطم حياتي كلها بالزجاج ارتطاماً قاسياً.. وتسقط على الرصيف بكل سنواتها كخرقةٍ بالية, ثم تضيع بين أرجل المارة.

(فراشة)
بعد أن سحرته, أخذته هذه الفراشة دون أن ينتبه إلى شمعتها, هناك حيث احترقا معاً ببطءٍ أثناء دورانهما الراقص حول شعلة النار.
لم يكن الموت احتراقاً قدره.
لكن الفراشة التي أغوته, قادته معصوب القلب إلى قدرها هي…

التعليقات مغلقة.