تأثير الإرهاب على تربية وتعليم الأطفال السوريين

19

9AP67295277020بالرغم من أن الحكومة السورية أعلنت التحاق 4.3 مليون طالب في جميع مدارس القطر، القابلة للاستثمار والبالغة 17 ألفا و 700 مدرسة، فإن المدارس، بدورها، ليست في أفضل حال، فأرقام العام 2014 تشير إلى أن 1385 مدرسة دمرت في عموم محافظات البلاد، وخرج من الخدمة 4606 منها، وخصص منها 680 لإيواء النازحين من مناطق أخرى.
ولا تنفي وزارة التربية والتعليم السورية علمها بحالات التعدد المفروضة على مناهج التعليم، حيث قال معاون وزير التربية عبد الحكيم الحماد لصحيفة “السفير”، إن الحكومة على علم “بأن الجماعات والعصابات الإرهابية المسلحة تحاول وتعمل على فرض مناهج أخرى بالقوة في بعض المناطق التي تقع تحت سيطرتها، مبنية في جوهرها على أساسيات المرتكزات العقائدية لتلك الجماعات المسلحة التي تدعو إلى القتل والإرهاب وتكفير الآخرين، وعدم الاعتراف بالتنوع والغنى الثقافي، وإلى التزمّت والانسحاب من معطيات العصر وتطوراته، خلافا لما تتضمنه مناهجنا الرسمية”.
وأضاف الحماد أن الوزارة في مواجهتها لهذه الحالة، تحاول اللجوء إلى “توسيع عملية التواصل مع الأبناء جميعا بكل الوسائل المتاحة، ومنها على سبيل المثال: الدروس والندوات التعليمية والكتاب الالكتروني ومنهاج الفئة (ب) وأوراق التعلم الذاتي، وكان آخرها ولن يكون الأخيرمشروع المدرسة الإلكترونية السورية التي ستصل إلى جميع الأبناء السوريين في أي مكان كانوا”.
ولكن برغم ذلك، إن تقديرات منظمة “اليونيسيف” تشير إلى أن التدهور الحاصل في قطاع تعليم الأطفال السوريين هو “الأسوأ والأسرع في تاريخ المنطقة”، في بلد كان مستوى الالتحاق بالمدارس الابتدائية فيه، يزيد عن 97 في المئة قبل بدء الصراع في العام 2011.
من جانبها، تؤكد “اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا” – “الأسكوا”، في تقريرها الأخير، هذه التقديرات بل على العكس، فإنها تتوقع أن “تتدنى نسبة الالتحاق بالتعلـيم الأسـاسي إلى 50 في المئة مـن الفئـة العـمرية 6 الى 11 سنـة، وإلى 30 في المئة في صفوف التلاميذ في الصفين الأول والنهائي من مرحلـة التعلـيم الابتدائـي، وهـي نسـبة متدنيـة إلى حـد مخيف، وستترك أثرها المدمر على مستقبل البلد لعقود طويلة”.
ويشير خبراء إلى أن “جيلا من الأطفال دون الـ15 سيكون من ضحايا الأمية”، ما يعني احتمال وقوع هذه الشريحة تحت تأثير الدعاية الدينية المتطرفة، والتي يوازيها أيضا التعرض للتأثير الاستقلالي الكردي لدى متلقي المناهج الكردية، ومثلها نظم تعليم الأردن ولبنان، كما “الائتلاف الوطني” في تركيا المتأثر بمناهج جماعة “الإخوان المسلمين”، يضاف إليها النظم التعليمية العلمانية في المدارس الرسمية، من دون الإشارة إلى مئات الآلاف من السوريين الذين استقروا في أصقاع العالم وأخذوا مسار تثبيت “هويات” جديدة على أوراقهم الرسمية، بشكل يثير السؤال عن التأثيرات السلبية التي سيتركها كل هذا في “الهوية السورية الجامعة” مستقبلا.
وكانت باحثة سورية أعدت دراسة لجامعة “سانت أندروز” البريطانية، أوضحت فيها أن أبرز الفصائل المقاتلة في ريفي حلب ودمشق تعتمد مناهج مختلفة نسبيا تجاه الأطفال، وإن استندت جميعها للخلفية العقائدية “الجهادية”. واستناداً إلى البحث، فإن فصائل “لواء الإسلام” و”أحرار الشام” تميل إلى منح التعليم الديني المساحة العظمى من ثقافة الطفل، “لخلق جيل مختلف عن جيل البعث يجد كبرياءه في الإسلام”، وفق أحد الشيوخ.
ووفقا لنظرية “ليس المهم أن تغيّر ما على الرأس، بل المهم أن تغيّر ما في الرأس”، يخضع هؤلاء لتدريب عسكري، لكن بعد سن معيّن، ويؤدون التحية العسكرية في اجتماعاتهم الصباحية، كما عهدوا قبل الحرب ولكن تجاه عدو على النقيض وهو الدولة السورية، مع اعتماد “سياسة انتقائية وعدائية” في التعامل مع المذاهب الأخرى.
وتضيف الباحثة أن “جبهة النصرة”، باعتبارها فرعا من تنظيم “القاعدة”، تنظر من جهتها إلى الفتيان بين سن 10 و15، باعتبارهم “مشاريع جهادية” وإن في سياق “دولة الخلافة” في سورية حصرا، خلافا لما هو الأمر مع “داعش”، الذي ينظر إلى التعليم الديني ويطبقه باعتباره “منهجا أمميا” ينطبق على تلاميذ سورية والعراق وغيرهما، ويتبع كما بات معروفا، نظاما أقرب إلى نظم البداوة الجاهلية، منه إلى الإسلام، ويعلّم الأطفال منذ سن العاشرة كيفية استخدام المدية للذبح، بالإضافة إلى ثقافة العمليات الانتحارية وغيرها.
وتقول الدراسة إنه يقع تحت تأثير هذه الفصائل وغيرها من الفصائل الإسلامية ما يزيد على 10 آلاف مدرسة (في محافظة الرقة وحدها أكثر من 1400 مدرسة)، من دون ذكر الجوامع والكنائس التي تحولت إلى مجالس تعليمية، الأمر الذي يضع عشرات آلاف الفتية تحت تأثير هذه الفلسفة التدميرية.
بدورها، تؤكد الأخصائية في الطب النفسي ليلى الشريف أن ما يوازي في الخطورة يتمثل أيضا في تشكل “أزمة هوية” ستكون سمة من سمات سورية في زمن الحرب وما بعدها، خصوصا لدى “المراهقين” الذين سبق وتلقوا علوما مدرسية رسمية، وعليهم الآن التكيّف مع واقع جديد وحقائق جديدة. وتضيف أنه يمكن لمنهجين أن يتغيّرا في ظرف سنة بين نقيضين، كما حصل في مناطق الشمال السوري مع طرفي “الجيش الحرّ” وفروع “القاعدة” التي، وفقا للشريف، تبني جيلا من “المجرمين” أكثر مما تعدّ تلامذة، حيث ينشأ هذا الجيل بين مشاهد الأشخاص المصلوبين والرؤوس المعلقة في الساحات العامة.
من جهتها، تحاول مناطق ما يُسمى بـ”الإدارة الذاتية” ترسيخ واقعها الخاص بمخاطبة حلمها بالاستقلال الذاتي، إن لم يكن التام عن سورية. وتشير تقارير إلى اعتماد المناهج الكردية في التعليم الابتدائي، إلى جانب اللغتين العربية والإنكليزية. كما تخضع مناهج التربية الوطنية فيها للإقصاء، ويتغير اسم الدولة من الجمهورية العربية السورية إلى الجمهورية السورية، ويرفرف علم غير علم البلاد فوق رؤوس الطلاب (يقدر عددهم بخمسين ألفا تقريبا).
ويزيد من خطورة هذا الواقع إحساس عامة السوريين بانعدام الأفق وشيوع الميل إلى الهجرة للغرب، وذلك في الوقت الذي تحذر فيه الأمم المتحدة أساسا، من أن عشرات آلاف الأطفال السوريين سيصبحون “من دون جنسية” خلال سنوات، بسبب نزوحهم خارج البلاد من دون أوراق رسمية، أو تيتّمهم خلال الحرب. وحسب تقارير “اليونسيف” هناك كثر من بين هؤلاء استقروا في مخيمات اللجوء. وتؤكد أن هناك ما يقارب 500 ألف طالب في مخيمات الجوار يتلقون مناهج الدول التي يقطنونها. وخارج هذه الدائرة يخضع الملايين للتعليم الرسمي في مناطق سيطرة الدولة السورية.
عن صوت روسيا

التعليقات مغلقة.